نعلم أنه عندما اندلعت الحرب بين أرمينيا واذربيجان, تفاجأ العالم آنذاك بيقظة وحضور الضمير الدولي من خلال بيانات التنديد وجهود الوساطة الدولية لإنهاء الحرب هناك. فشاهدنا مثلا الهبة التركية العسكرية لنصرة أذربيجان حيث دخلت القوات التركية وانضمت الى جانب القوات الآذرية لمحاربة الأرمن. ولكن نتساءل اليوم عن غياب تلك الهبة التركية مما يجري في الأراضي الفلسطينية؟ هل كانت تظن تركيا أن القدس في أذربيجان؟! أم أنها كانت تريد اضافة مجزرة أخرى جديدة ضد الأرمن في بلادهم؟!
ونعلم أنه عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011م, لم تكتف ايران بالتدخل عسكريا هناك, بل طالبت قوات حزب الله برفع شعار " الله أكبر" في سوريا وجنوب لبنان. واليوم نتساءل عن غياب ذلك الشعار الاسلامي!, وعن غياب ضمير محور المقاومة مما يجري اليوم في فلسطين؟! كما أننا نتذكر عندما وقعت الانفجارات في مرفأ بيروت في 4 أغسطس آب عام 2020م, وجاءت المساعدات الغذائية والتقنية حينذاك من كل حدب وصوب, ما يشير الى أن الضمير الدولي كان ناشطا وحاضرا ومستيقظا. ولكن أين هو الضمير اليوم مما يحدث من اعتداءات واعتقالات وفصل عنصري وتطهير عرقي في حي الشيخ جرّاح وفي حيفا ويافا والقدس الشرقية وبقية المدن الفلسطينية؟! ولماذا يغيب الضمير الدولي عن مسرح القذائف والقصف المدفعي المتواصل على المدنيين الأبرياء في قطاع غزة؟!
وايضا نتساءل ان كانت ستطول حالة السبات العميق للضمير الدولي, أم تراه في غيبوبة مؤقتة!, أم أنه – لا سمج الله – مصاب بفيروس كورونا ولا يستطيع النهوض لممارسة مهامه وتولي مسئولياته الطبيعية؟!
ولعلّنا نتذكر أنه في أعقاب ثورة الربيع الليبية واندلاع الحرب الأهلية 2014-2020م, كانت قد تدخّلت قوات "الفاغنر" الروسية لتحقيق مكاسب اقتصادية والحصول على تأشيرات اقامة دائمة في المياه الدافئة مقابل ارساء السلام هناك. كما نعلم أن تركيا تدخلت أيضا في ليبيا لنصرة أحد طرفي النزاع ضد الآخر مقابل مكاسب نفطية أو قواعد عسكرية تسمح لها بالاستثمار عسكريا في مناطق التوتر كما أوضحت في مقال سابق بعنوان " تركيا والاستثمار بالقدرات العسكرية في الأزمات الإقليمية", وكذلك مقال "الصراع على آبار النفط الليبية".
واليوم, وفي ظل الاعتداءات الاسرائيلية على فلسطين, لم نسمع من تركيا وايران سوى تلك الشعارات الاعلامية شبه المنددة بالعدوان على الأراضي العربية حيث لا يتوفر آبار نفطية ولا غاز مسيل لشهية الاستثمار التركي هناك مثلما كان ولا يزال في ليبيا وقطر وشرق المتوسط.
ونعلم أن الاخفاقات تكررت في مجلس الأمن الدولي بشأن اصدار قرار دولي يدين الأعمال الوحشية ضد المصلين في باحات المسجد الأقصى وضد المتظاهرين السلميين عند باب العامود وحي الشيخ جرّاح حيث طرد الجيش الاسرائيلي السكان الفلسطينيين, ونقل ملكية منازلهم لمستوطنين يهود في خرق واضح لمبادئ القانون الدولي وحقوق الانسان التي لطالما تغنّت بها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. وبذلك يتبادر الى الذهن سياسة الفصل العنصري والتطهير العرقي ضد السّكان العرب الأصليين ارضاء لليمين المتطرّف مقابل الحصول على دعم المتشدّدين المؤيدين لحزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يأمل بالفوز في الانتخابات المقبلة.
وبرغم مناداة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لاحترام حريات الأديان والتعايش السلمي وتأييد حل الدولتين وفقا لقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات أوسلو والمبادرات العربية, الا أن الضمير في هذه الدول لا يزال يغض الطرف عن جرائم الاحتلال لكي يوفر غطاء شرعيا لمزيد من القتل والتهجير والاعتقال بحق الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني. فالعالم يفهم كيف سعت أمريكا الى عرقلة اصدار بيان أممي يدين انتهاكات اسرائيل بقصف المدنيين, وقصف مكاتب وكالات الأنباء في قطاع غزة. وأن ما يكشف حقيقة هذه المواقف المعلنة وغير المعلنة هو قول الرئيس الأمريكي بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها مما يعطي الكيان الاسرائيلي ضوء أخضر للتمادي في تشريد الفلسطينيين وقتل أطفالهم وسبي نسائهم وهدم منازلهم متناسين بذلك حق الفلسطينيين في المقاومة دفاعا عن أنفسهم ودفاعا عن دور عبادتهم.
ولذلك فان على المجتمع الدولي من عرب ومسلمين وأحرار اتخاذ كل التدابير التي تكفل منع اسرائيل من مضايقة المصلين في عبادتهم الدينية, وكف اعتداءاتهم عن الشبّان الفلسطينيين, وايقاف بناء المستوطنات على أنقاض منازل العرب في كل الأراضي العربية المحتلة بين عامي 1948-1967
وخلال كتابة هذا المقال, نسبت مصادر اعلامية عن الوسيط المصري قوله ان الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني وافقا على وقف اطلاق نار متبادل ومتزامن اعتبارا من الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة الموافق 21/5/2021م
وبرغم اتفاق الهدنة ومساعي الوسطاء للتهدئة وانهاء المواجهة بين أطراف النزاع, الا أن تلك الجهود الدبلوماسية والاتفاقيات الثنائية بين الجانبين, لا تمنع المجتمع الدولي من ملاحقة اسرائيل قضائيا لارتكابها جرائم حرب باستهداف طائراتها الحربية منازل المدنيين ومكاتب الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء خلال القصف على مناطق في غزة مثل رفح وبيت لاهيا وبيت حانون وخان يونس ودير البلح وجباليا وغيرها. ومع اقتراب ساعة الصفر المحددة لوقف اطلاق النار كانت المقاومة أطلقت رشقات صاروخية على جنوب عسقلان وأسدود وأشكول في النقب الغربي ردا على غارات اسرائيلية تجاه القطاع المحاصر منذ سنوات طويلة.
لقد شكّلت انتهاكات الكيان الاسرائيلي لقوانين الحرب أول اختبار لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في سياسته الخارجية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. وقد بدى من الواضح ضغط الادارة الأمريكية - رغم دعمها لإسرائيل - على اقناع الحكومة الاسرائيلية أخيرا بالموافقة على وقف اطلاق النار وايقاف الأعمال العدائية الاسرائيلية في محاولة منه لتجنب الوقوع في مسار المعايير المزدوجة بين حلفاء أمريكا في المنطقة وحليفتها الاستراتيجية اسرائيل, وهي الحليف المفضل لها في الشرق الأوسط.
وهنا أتساءل حول موقف الضمير الدولي ازاء مقولة " من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها" ثم الضغط الأمريكي على اسرائيل قبل التوصل لهدنة برعاية مصرية, وما اذا كان طلب أمريكا وقف الأعمال العدائية الاسرائيلية حرصا على حقن دماء الفلسطينيين, أو حقن دماء اليمين الاسرائيلي العنصري لا سيما بعد ترحيب اسرائيل بموقف الادارة الأمريكية المتمثل في تصريح الرئيس الأمريكي آنف الذكر, والمتمثل أيضا في عرقلة أمريكا اصدار بيان أممي يدين الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني.!
كم نكبة حلّت بنا, وكم من نكسة *** والمسجد الأقصى يئنُّ: " متى التحريرُ"؟!