مَن يبتسم فيضحك ويسعد في زمن وباء كورونا؛ إلا من أوتي عزيمة الصبر وإرادة الحياة. هذا هو الشعب السعودي الأبي، الذي احتل المرتبة الأولى عربيًّا، والحادية والعشرين دُوليًّا؛ في تقرير السعادة العالمي الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة للعام 2020م.
يأتي هذا في ظل المتغيِّر الحياتي الذي فرضته جائحة كورونا، ولكن بالمقابل؛ هناك متغيراتٌ كثيرة أخرى؛ جعلت السعوديين يتقدمون في سُلَّم الشعور بالسعادة، ذلك أن جودة الحياة تتطور، وأن مفهوم السياحة والترفيه أخذ بعدًا جديدًا لم يكن معروفًا من قبل، وأن الفساد أصبح شبحًا يُطارد من الكل، وأن الإصلاح الإداري والتنظيمي على كافة الأصعدة؛ بدأ يؤتي ثماره إداريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا . ثم.. وهذا أهم؛ نجاحنا في مواجهة وباء كورونا خلال سنة 2020م وهذه السنة، فالمواجهة السعودية كانت ثلاثية الأبعاد: تنظيمية وثقافية وصحية، ما أوجب أن يكون الفرد السعودي شريكًا في الحرب على الوباء بشكل إيجابي، وأن يصل في النهاية إلى مرتبة متقدمة في سُلَّم سعداء العالم.
أكتب عن سعادة السعوديين في موسم الورد، ومن عاصمة الورد في بلادهم. إن الارتباط بين الورد وسعادة الفرد وثيقة، فالورد أداة تعبير صادقة عن مشاعر الود والحب والشعور بسعادة الذات مع الآخر. أكْثَر الكُتَّاب والشعراء من الكلام عن السعادة، وكان الشعراء الأكثر تشكيًّا وتشاؤمًا، وتبقى حقيقة واحدة هي: أن رضى الفرد عن ذاته وتسامحه مع نفسه ابتداءً؛ هي الخطوة الأولى في الإحساس بالآخرين، والشعور بالسعادة في الحياة؛ شعور قوامه سلامة العلاقة بين العبد وربه عز وجلّ، فالسعادة من المؤكد أنها لا تتحقق فقط بأولاد ومال وجاه، ولكن كما قال الحطيئة؛ وهو محق فيما قال:
وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ
وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ
وَتَقوى اللَهِ خَيرُ الزادِ ذُخرًا
وَعِندَ الله للأَتقى مَزيدُ
وَما لا بُدَّ أَن يَأَتي قَريبٌ
وَلَكِنَّ الَّذي يَمضي بَعيدُ
أظن - وليس كل ظن إثماً - أن الاحتفالية السنوية بقطف الورد الطائفي وتقطيره؛ التي تشهدها محافظة الطائف في الأربعين الوردية بين 20 مارس وحتى آخر شهر أبريل من كل عام؛ هي تعبير صادق عن الفرح والشعور بالسعادة، خاصة وأن هذا (الكرنفال) الفرحي؛ ينتقل من حقول وبساتين الورد إلى الدور والقصور، وإلى الساحات والميادين، ويصبح الورد مكونًا فرحيًا في (تثريب) العروس، وفي زفافها وانتقالها إلى دار زوجها. بل يتجلى الورد في لغة الحب المتبادلة بين المحبين، وفي وصف جماليات المحبوب، وفي التعبير عن حبه وعشقه. مع كل هذا الزخم؛ هناك من يتشكى من الورد وهذه مفارقة..! ومن يكون الشاكي الباكي غير قاطفة - قاطف الورد الذي يبدأ القطف في الأغباش، فما يناله منه إلا الشوك وتشقيق الثياب..! هذا صوت من غنائيات فن (حَيُوما)؛ لشاعر يتّهم الورد بأنه شقّق ثيابه، دون فائدة منه. قال:
يا لطيف.. يا لطيف
الورد شقـّق ثيابي
لا غرازه منه؛
ولا حصل لي سلامة
ومِن محبي الورد رغم شوكه؛ شاعر يردد في صفوف ملعبة (حيوما)؛ محذرًا من حرق الورد في بلدنا. يقول:
الورد لا تحرقونه في بلدنا
عسى الله لا يحرِّق لنا في الاثمار
الله يسقي السلامة والمثاني
مرابي الدوش والشار والريحان
وبين الشكوى من شوك الورد، والتحذير من تحريقه؛ يرتفع صوت نسوي من حفل (تثريب العروس) - والعريس قادم من مزارع الورد على ما يبدو - يقول الصوت النسوي:
عريسنا جانا.. من الزرع فرحان
يا عمّته.. يا طيّبة.. رحبي به
يا عمته بالورد؛ رشي ثيابه
احتفلت الفنون الشعبية الطائفية كافة؛ بالورد في موسمه، وفي بقية فصول العام: (حيوما - يله.. يله - ثم المجرور). وما أدراك ما المجرور. يوجد كثير من الشعر الشعبي المغنّى عن الورد بصفة خاصة على ألحان المجرور، منذ أن عرفت الطائف وردها الشهير هذا وإلى اليوم. من أشهر شعراء المجرور في هذا اللون الشاعر الطائفي ( المنديلي ). فمن مخطوطته هذا الصوت البديع. نلاحظ كيف وظّف الورد في وصف الحبيب، وفي حرقة الفراق والهجر والعتاب واللوم. يقول:
يا ورد زاهي على الأغصان.. ريحه زين طابي
وانا قلبي الشقي.. يا ورد على لاماك تعبان
زانت فنونك.. على حال الروى.. والعطف طابي
عساك دايم تمايل.. بالثمر.. في جوف بستان
فارفق قـُليبي من المجمول.. والهجران ذابي
لجل إيش يا ورد نشا.. مكثر بهجران
يا ورد لايم.. عسى لاماك.. يبري كل ما بي
ويكف دمعي.. من المحجر.. ومن نوني والأعيان
وهذا صوت آخر من صنع المرحوم عوض الله أبو زيد. يقول رحمه الله:
ساعة هناني طعامي..
يوم شفتك بحالي
صافي شرابي..
ترى روحي فدا الوردات والخال
وهذا صوت آخر في المجرور من شعر كامل بن شحاد يقول:
سألتك الله..
يا باهي السنا عن حمرة الخد
خدك من الورد ..؟
وإلا الورد من وجنات خدك..؟!!
وشعر الورد كثير في فنون الطائف الشعبية، وفي المجرور على وجه التحديد، نختم بهذا الصوت الذي نجد فيه تجديد عهد للمحبوب. يقول:
وابعزم الورد والتفاح.. والمطرب يغنّي
سلام.. سلام.. لا تحسبنّي عن مودتك تسليت
ولا نسيت العهود اللي مضت.. بيني وبينك
وعسى أن نظل مع وردنا وحبنا أوفياء ؛ حتى نبقى دائمًا أصحاء سعداء.. إلى اللقاء.