* مما يُشاع ويُذاع في أيامنا الأخيرة؛ أن الحكومة التركية تعمل على إعادة وتحسين علاقاتها مع دول الخليج العربي ومصر؛ مقابل فك الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين، الذين ارتموا في حضنها بعد الخريف العربي، وجعلوا من أراضيها منطلقًا لدسائسهم وخسائسهم وحروبهم الإعلامية على أوطانهم. أقول وأنا على يقين مما أقول؛ بأنه حتى لو تخلّت عنهم تركيا؛ فإن حاضنتهم التاريخية مع إيران باقية، وسوف تظل تعمل من أرض إيرانية وعربية وغير عربية، وبنفَس فارسي وأموال عربية من أكثر من جهة عربية خائنة على الخارطة العربية.
* منذ تأسيس جماعة الإخوان سنة 1928م وإلى اليوم؛ فإن أدبيات الإخوان ومؤلفاتهم لم تمس الفرس ولا إيران بسوء، وإيران من جانبها كانت منذ تأسيس الجماعة وهي مهتمة بها. يذكر القيادي السابق في جماعة الإخوان الدكتور (ثروت الخرباوي)؛ الذي كشف عن علاقات سرية طويلة وممتدة بين مؤسس الجماعة حسن البنا وقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني؛ وذلك في إطار من الروابط التي جمعت الرجلين بالمخابرات الغربية يقول في تصريحات لمراسل العين في القاهرة: (إنّ ثلاثينيات القرن الماضي؛ وتحديداً في 1938م؛ شهدت زيارة سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني- الذي أصبح بعد ذلك الإمام آية الله الخميني مفجر الثورة الإيرانية- مقر جماعة الإخوان في مصر، حيث عقد لقاءً خاصًّا مع المرشد الأول للجماعة حسن البنا). وسافر (محمد تقي القمي) إلى مصر في ذلك الوقت المبكر، وأسس (دار التقريب)، وكان ضيفًا على حسن البنا الذي التقى بـ(آية الله الكاشاني) في الحج، والتقى (نواب صفوي) زعيم حركة فدائيي الإسلام الإيرانية، وظل الدعم متبادلًا بين الإخوان والثورة الإيرانية، ويوم نجحت ثورة إيران في عهد الخميني؛ أسس الإخوان (حزب الإصلاح) في إيران، الذي يرأس مكتبه في طهران (عبد الرحمن بيراني). يقول الدكتور (منو شهر محمدي) في كتابه: (تداعيات الثورة الإسلامية في العالم الإسلامي)؛ يقول: (لقد استطاعت الثورة الإسلامية أن تترك تأثيرها في حركة الإخوان المسلمين بدرجة ما، بحيث إن الأمانة العامة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مصر؛ بادرت إلى الاتصال بمسؤولي الثورة الإسلامية الإيرانية بمجرد انتصارها، فهنأت إيران بانتصار الثورة، فالعلاقة الوثيقة التي تربط نظام الملالي بـالإخوان؛ هي علاقة تعمّقت فتعمّمت منذ ثورة الخميني، حيث سارع الإخوان بتهنئته بنجاح الثورة عبر استئجار طائرة خاصة ضمّت قيادات الجماعة من عدة دول، وأجرت بعد ذلك مباحثات وحوارات بخصوص طرق التعاون بينهما في نفس السنة 1989م، وقامت إيران باختيار رابط اتصال بممثل التنظيم الدولي للإخوان في لوكانو في سويسرا، وخلال التخطيط للقيام بهذه الزيارة والبحث حول العلاقات مع إيران؛ اتخذت على وجه السرعة بعض القرارات منها: تشكيل لجنة مشتركة من ممثلي الإخوان لزيارة إيران، وإصدار كتيب للتعريف بالثورة، وبيان مكاسبها وإنجازاتها ومواقف قيادتها، وإيجاد علاقة منظمة مع حركة الطلبة الإيرانيين من خلال الاتحاد العلمي للطلبة المسلمين، والقيام بترجمة آثار مؤلفي الطرفين، ووضع الإمكانات والنشاطات الثقافية والصحافية للإخوان في خدمة إيران، للاستفادة منها في المراكز الصحافية ومؤسسات الثورة). ثم يختم بقوله: (إن جماعة الإخوان المسلمين؛ قامت في سنة 1979م؛ بنشر كتاب يحمل عنوان: البديل الإسلامي، معتبرة أن أسلوب الخميني والجمهورية الإسلامية؛ يمثل طريق الحل الإسلامي للخلاص من الأنظمة العميلة). إذن.. كانت هناك علاقات علنية وأخرى سرية، جمعت وما زالت تجمع بين الإخوان وإيران، بما جمع بين (حسن البنا، وتقي القمي، وآية الله كاشاني، ونواب صفوي، وآية الله الخميني). فهؤلاء هم أبطال غزو الشيعة للعالم السني منذ البدء.
* لقد رأت إيران الثورة منذ البداية؛ أن التعاون مع الإخوان مفيد لها سياسيًا بالدرجة الأولى، ويحقق أهدافها في ضرب البنى التنظيمية للبلدان العربية. يقول صادق مصلحي حول الإخوان المسلمين: (إن حركة الإخوان المسلمين؛ أكثر من حركة فكرية وعقدية، بل هي حركة سياسية، من أهم أهدافها تشكيل الحكومة الإسلامية، ونظرة الإخوان المسلمين للقيادة الدينية التي تقود الشعب هي أقرب إلى الشيعة وإيران، وأبعد عن حكومة المملكة العربية السعودية ودول الخليج الفارسي- العربي- ويجب أن نسعى للاستفادة من تلك المشتركات؛ من أجل الاتحاد وتناغم العالم الإسلامي). وكان علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق؛ والمستشار الأعلى للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي؛ أكد في ندوة عن (الحوزة الدينية والصحوة الإسلامية) عقدت في مدينة مشهد الإيرانية: أنّ (الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية).
* لماذا تتراجع تركيا عن احتضانها ودعمها لجماعة الإخوان زعامة وإعلامًا بعد عشر من السنين..؟ لا بد أنها اكتشفت أنها أخطأت وخسرت سياسيًا واقتصاديًا على كافة المستويات العربية والإسلامية والدولية، فهذه الجماعة منذ نشأتها؛ قامت على فكرة التكفير والتفجير والخروج على الحكام، ونهجت نهج الإرهاب والتدمير في بلدانها وفي غيرها، والعديد من دول العالم بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية؛ اعتبرتها جماعة إرهابية محظورة، وحق لها ذلك؛ ذلك أنها بفكرة الخروج على الحكام وبرمجة العقول على العنف من أجل الوصول للحكم؛ تغلغلت في كافة البلدان العربية، بل وتحولت إلى أداة طيعة لتنفيذ السياسة الإيرانية ضد العرب في بلدانهم باسم الإسلام زورًا وبهتانًا. لقد نجحت إيران الخمينية في استغلال هذه الجماعة الإرهابية حتى أفرزت عدة أحزاب ومليشيات إرهابية على غرار الحرس الثوري، وحزب الله، وأنصار الله، والإصلاح، إلى حماس، وإلى العدالة والتنمية وغيرها كثير، بهدف تخريبي واحد، وأسماء متعددة. ويكفي مثالًا على عمالة جماعة الإخوان وتبعيتها لإيران؛ أن مفتيها المعاصر (يوسف القرضاوي)؛ يتترس بجنسية خليجية، وينبح من قنوات خليجية، ويروج لإيران، ويبرر عدوانها واحتلالها للعرب في العراق وسورية ولبنان واليمن وغزة.