"العادة طبيعة ثانية".. هكذا يقول علماء الاجتماع والتربية إذ يقصدون بذلك أن للكائن البشري، طبيعة بيولوجية إلا أن العادات تشكل له طبيعة مجاورة، ولسلطتها قد تكون جزء ملازم لحياته ، فيظن أنه لا يستطيع التخلص منها، فيخضع لها ولو كانت سلبية ومذمومة.
ومالا يعرفه أصحاب هذا الاعتقاد أن الإنسان يمتلك إرادة فولاذية وهبها الله له يستطيع من خلال العقل أن يتغلب على عاداته الملازمة له، فكثيراً ما نجد مدخنين بشراهة يقعلون عن هذه العادة بعد تدريب ومثابرة على النفس.
فالإقلاع عن العادة هو انتصار للإرادة على سلطة العادة، وتكون نابعة من داخل الإنسان ليس بسلطة القانون أو بغيره وإنما من داخل قناعة ذاتية، ولنا في الأحداث التاريخية عبرة وعظة، ففي عام 1919 ضج الإعلام الأمريكي، بأن إدمان الخمرة تسبب في العديد من المشاكل المجتمعية من حوادث وجرائم سرقة ونهب.
هذا الأمر دفع السلطات الأمريكية المحلية إلى إصدار قانون "التحريم" الذي حمل مسمى " التعديل 18"، حيث كان قانون اختياري وليس إجباري ومن أجل تطبيق القانون تم تسخير الأسطول الجوي والبحري كله لمراقبة عمليات التهريب، والقبض على المتورطين فيها، وإنفاق ملايين الدولارات على التوعية الإعلامية، مع تفعيل الغرامات على المخالفين.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أنه تم إعدام أكثر من 300 نفس من أجل تطبيق القانون، وسجن واعتقال نصف مليون مخالف للقانون، وفى عام 1933 تم الإعلان عن الفشل الذريع في تطبيق هذا القانون للحد من إدمان الخمور، ليتم الغاءه داخل جلسة للكونجرس.
وبالمقارنة بعصر ظهور الإسلام فإن العرب قبل الإسلام وقبل البعثة كانت مدمنة للخمور، يقول أحد شعراء الجاهلية : إذا مُتُّ فادفِنِّي إِلى جَنبِ كَرمَةٍ تُرَوّي عظامي بعد موتي عُروقُها، ولا تَدفِنَنّي بالفلاةِ فإنّني أخافُ إذا ما مُتُّ أن لا أذوقُها، بل عندما جاء إلى الشاعر الجاهلي امرئ القيس نبأ وفاة والده وهو في مجلس خمر قال :اليوم خمر وغداً أمر".
ولما أمر الله بتحريمها من خلال قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، تجد في الأثار والمرويات أن المسلمين والصحابة هموا فمن كان على يمسك بكأس ويضعه على فمه القاه في الأرض استجابة لله ورسوله، حيث ساحت سكك المدينة بالخمر المسكوب، وتاب الناس جملة واحدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه أي المجتمعين الآن أكثر حضارة، وتحكم بإرادته ويحكم العقل وانتصرت إرادته على عادته، المجتمع الغربي المعاصر أو المدني صاحب الديمقراطية وسن القوانين أم المجتمع المسلم البسيط في تلك الحقبة من الزمان.
العبرة باختلاف المنهجين التربويين فالأول قائم على العقل والآخر يخاطب الإرادة وتغليبها على العقل ونصرها على العادة، وبما فيه مصلحة للنفس البشرية وإنقاذها من الانحطاط، رغم عدم وجود الكهرباء وتغيب عنها الحياة المدنية، ولكن هناك حضارة روحية وفكرية.
وفى الختام أدعوك أخي القارئ لقراءة التاريخ الاسلامي لكي نفهم الفارق بين الحدث الأمريكي والحدث في عصر النبوة والصحابة، وكيف تربي الصحابة على الانتصار على العادة بالإرادة الصحيحة.
بقلم : عبدالعزيز بن منيف بن رازن.
مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية.