يا عسكري فك الإشارة
ليش ليش تعطيني الخطر
بشوف محبوبي أنا
(محبوب قلبي.. ما له مثيل) عن المرور.. (أسئلة تدور)..؟
* لعل أول هذه الأسئلة؛ هو مما أوجهه لنفسي وللداتي ممن عاش بدايات المرور فأقول: متى بدأت علاقتك بالمرور الذي ارتبطت وظيفته بالسيارات والسير والطرق العامة..؟ نتذكر زمن (السيكل) العادي، ووقوفنا إلى جانب السيارات أمام إشارات المرور الخشبية ثم الضوئية فيما بعد؛ استعراضًا؛ وكأننا نقول لسائقيها: (ما فيش حد أحسن من حد)..! ثم الدبابات، وحرصنا على ترخيص سيرها بلوحات اقترابًا من السيارات وعوالمها، إلى أن أصبحنا من قائديها والمصطلين برسوم مخالفاتها، أو مخالفاتنا لا فرق.
* لعلنا نتذكر جيدًا؛ أن مصطلح (عسكري).. بمعنى الرجل الذي يلبس بدلة عسكرية حكومية يظهر بين الناس؛ عرفناه في تلك الفترة قبل خمسين عامًا من خلال رجل المرور لا غيره. ومما هو عالق بالذاكرة بيننا في الطائف المأنوس؛ صورة رجل المرور الإنسان المهذب الخلوق الأنيق في مظهره العسكري: (سلطان الشهراني). كان يقف ملازمًا لإشارة مرور مستشفى الملك فيصل على شارع الملك سعود في زمنيها الخشبي ثم الضوئي، وكان حديث الناس في تعامله اللطيف وتسامحه، حتى أصبح علمًا وعنوانًا للعسكري الإنسان. لم نكن نفرق بين عسكري مرور وآخر شرطة وثالث دفاع أو غيره، ومن طرائف العسكري؛ أن أول وآخر شكوى شعرية منه؛ ظهرت في شكل أغنية طربية لمحب يتحرق على موعد مع محبوبته، لكن عسكري الإشارة الخشبية صنديد عنيد، فهو بطيء في فتحها، فتفتحت قريحة الشاعر الغنائي: (يسلم بن علي با سعيد 1941م- 2012م) -رحمه الله- عن هذا النص العجيب الغريب. قال:
يا عسكري فك الإشارة
ليش ليش تعطيني الخطر
بشوف محبوبي أنا
(محبوب قلبي.. ما له مثيل)
من يوم قابلته وقابلني
حياتي في خطر
يا ونتي ونيتها خايف
على قلبي يميل
وان متّ في العشقة
ما عادني خير من يحي عمر
ياما وياما عدّه له
كثير ما هم شي قليل
وأنا أسالك بالله
ذي سوى الكواكب والقمر
منين اصلك يا بديع
الحسن ذي مالك مثيل
* هذه الأغنية البديعة؛ ظهرت على اسطوانات في تلك الفترة، من تلحين الفنان الكبير (طلال مداح)، الذي غناها بصوته فذاع صيتها، وكان الفنان (عبد الله النجار https://www.youtube.com/watch?v=YJx_5AC-00U) غناها قبل طلال. رحم الله هذين الكبيرين.
* بعد أن دلفنا إلى المرور من بوابة الإعجاب والطرب؛ نعود إلى الأسئلة التي تدور بين محبي هذا الجهاز الكبير برسالته الإنسانية الوظيفية، وحجمه الذي يسع كل ذرة على التراب الوطني فنقول: متى نرى كافة فروع وإدارات المرور في مقار ومبان خاصة تليق بها..؟ ومتى نجد أن (الهندسة المرورية)؛ تأخذ مكانها في الدراسات الأكاديمية..؟ وتحتل وظيفتها في هندسة المدن..؟
* وإذا وصلنا إلى التنظيمات الإدارية والفنية التي تتعلق بالسير والسائق والسيارة؛ فإننا نشيد بكل خطوة تُتخذ للحفاظ على السلامة العامة وتعديل وتهذيب السلوك المروري العام داخل المدن وعلى الطرق الطويلة، ولا نشك لحظة أن ما فرض ويفرض من رسوم للمخالفات المرورية إنما يهدف إلى: (الحماية لا الجباية)، لكننا نظن أن الكثير منها مرتفع جدًا، ويثقل على معظم الناس الذين لا تصل دخولاتهم الشهرية لألفين وثلاثة آلاف ريال، فكيف إذا جاءت مخالفة بمبلغ ثلاثة آلاف ريال أو خمسة آلاف ريال..؟! ولهذا نظن أن المرور انطلاقًا من إنسانية وجوده في الأصل؛ وبحكمة قياداته وقربهم من المجتمع الذي هم جزء منه؛ لا يمانعون في إعادة النظر في قوائم رسوم المخالفات وتعديلها بما يحقق المصلحة من وجودها، دون إلحاق الضرر بالمخالفين، الذين لا يتقصدون المخالفات دون شك، ومن تتكرر منه المخالفات؛ فتكون له معاملة رادعة بعد ذلك، وعلى مبدأ: (إذا أردت أن تطاع؛ فاسأل المستطاع). وأن يوضع سقف أعلى لرسوم المخالفات بحيث لا تتجاوز العشرة آلاف ريال، بعدها تحجز المركبة. كما نتطلع إلى وجود حوافز وجوائز سنوية لمن تخلو صفحاتهم من المخالفات المرورية، تحفيزًا وتشجيعًا لهم ولأمثالهم.
* ننتقل إلى موضوع آخر لا أدري ما مسئولية المرور عنه، ألا وهو استثمار شركات في المواقف العامة حول الأسواق.. ليس حول الأسواق فقط؛ ولكنها تستثمر اليوم حتى حول عمارات ومساكن للناس على الشوارع العامة وهي جزء من أملاكهم. هذه الظاهرة جديدة وظهرت في عدة مدن. لا شك أن تنظيم الوقوف حول الأسواق العامة ضروري ومهم، ولكن أن يصبح لشركات الاستثمار هذه حق التربص بالمتوقفين؛ ثم سحب السيارات عنوة بالونشات إلى مواقف بعيدة؛ ثم يطالب صاحب السيارة بدفع ثلاث غرامات: الأولى للوقوف دون دفع. والثانية أجرة سحب السيارة وتعطى لمالك الونش. والثالثة للوقوف في موقف السحب..! لنأخذ الطائف مثالاً على ما يجري، فإن ملاك الونشات المكلفين من الشركة؛ يقفون بالمرصاد لكل سيارة، فيسحبوها عنوة، حتى لو كان صاحبها قريبًا منها، وعليه الركض وركوب سيارة أجرة للحاق بهم..! وهذه الشركة قفلت على ملاك وسكان الطائف القديم حتى لم يعد لهم حق الوصول إلى دورهم..! وهي تصل إلى شوارع وزنقات عليها وحدات سكنية وفندقية وغيرها تملك مساحات ارتدادات من أراضيها، فتخططها الشركة وتستثمرها..! من أعطاها الحق في هذا وذاك سواء في الطائف أو في جدة ومكة والحال واحد..؟ لماذا لا يُكتفى بمخالفة الوقوف بدون سحب السيارات والإضرار بأصحابها..؟ ولماذا لا يُنظر إلى أسبقية السكن وأحقية الملكية في الارتدادات التي فرضتها البلديات، وهي ملك لصاحب العقار وليس للشركة..؟ لعل المرور يوضح لنا مسئوليته في هذه الإشكالية، التي تتسبب فيها شركات تستثمر في المواقف المفتوحة، وتتصرف في جوانب الشوارع والميادين التي كانت من أملاك البلديات، وكان للمرور في السابق إشراف على تنظيمها. ما دور المرور اليوم..؟