في نهاية التسعينات كانت شركات الأدوية في مصر ترصد مكافآت كبيرة جدًا لمندوبي المبيعات العاملين لديها، كانت المكافآت ضخمة لدرجة دفعت بالمندوبين للتحايل على شركاتهم من أجل الحصول عليها.
ماذا فعل مندوبي المبيعات؟ سأخبركم..
كان بعض المناديب يقومون بإخراج طلبية كبيرة من الأدوية لصيدلية ما أو مجموعة من الصيدليات بالأجل، ويضع مبلغ بيع هذه الأدوية في المبيعات السنوية ليتمكن من تقفيل السنة ويقبض العمولة الكبيرة التي تحدثنا عنها، وبعد مرور مدة قصيرة لنقل شهر على سبيل المثال، يقدم نفس المندوب طلب "مرتجع" للبضاعة وكأن العميل قد أعاد الأدوية للشركة مرة أخرى، وهكذا يكون قد حصل على عمولته مقابل مبيعات وهمية.
لماذا أذكر لكم هذا المثال؟ لكي ندرك جميعا المعنى المقصود من وراء تعبير "المبيعات تحصيل"، هذا التعبير يشبه إلى حد كبير تعبير الكابتن لطيف رحمه الله عندما كان يقول "الكورة إجوال".
ما أقصده هنا أن الشركة لابد أن تتعامل مع المبيعات على أنها تلك الصفقات التي تم تحصيل مقابل نقدي لها بالفعل عن طريق الشركة، وليس ما سوف يتم تحصيله في المستقبل.
لكن يجب علينا أيضًا أن نلتفت لنقطة غاية في الأهمية، يوجد كثير من الصناعات والأنشطة التجارية لا يكون فيها البيع بتحصيل الأموال النقدية "الكاش" في نفس لحظة البيع، على سبيل المثال إذا كان لدينا شركة تعمل في مجال المقاولات، وتبيع وحدات سكنية بالتقسيط على 5 سنوات مثلا، فهل معني ذلك أن الشركة ستحاسب مندوب المبيعات على العمولات بعد الانتهاء من سداد الأقساط؟ أي بعد مرور 5 سنوات على إتمام صفقة البيع؟ بالطبع لا.
في هذه الحالات طبعاً يمكن أن تتبع الشركة طريقة مختلفة في محاسبتها لمندوب المبيعات، أي تحاسبه بالوحدة التي يبيعها مع وجود شرط لإتمام البيع وهو دفع مقدم كبير نسبيا، بالإضافة لكتابة شرط جزائي يؤمن للشركة -على الأقل- تكلفة الأنشطة البيعية، وهي مثلاً نصف راتب ممثل المبيعات بالإضافة لإجمالي المكافآت التي تم صرفها لمدير المبيعات ومشرف المبيعات وممثل المبيعات، بحيث تضمن الشركة أن تراجع العميل عن الصفقة ليس لتحايل مندوب المبيعات على الشركة ولكن لسبب حقيقي.
وبالتالي في حال تراجع العميل لمشكلة في الوحدة السكنية مثلا، يمكن للشركة أن تكتفي بخصم نسبة ما من المبلغ النقدي الذي تم دفعه كمقدم، وذلك لتغطية تكلفة العملية البيعية، ولكن لو كان سحب المقدم والتراجع عن إتمام الصفقة بسبب البائع نفسه نتيجة الكذب أو التحايل علي العميل، أو ذكر مواصفات غير موجودة بالفعل في الوحدة السكنية، هنا في هذه الحالة يتم استرداد العمولات من ممثلي المبيعات، مع فرض عقوبات رادعة، لأنه من الصعب جدا علي العميل أن يصدق أن ممثل المبيعات هو الذي أخطأ أو تحايل أو قدم وعود كاذبة لتحقيق هدف المبيعات السنوي الخاص به، بل يتهم العميل الشركة بشكل مباشر بالتحايل عليه لأن العميل يؤمن أن الشركة هي من تدرب بائعيها علي التحايل أو الكذب، على الرغم من أن الشركة هي الخاسر الأكبر في هذه الصفقة لأنها تخسر الكثير من أموالها ومواردها وسمعتها في السوق.
الفكرة الأساسية التي أؤكد عليها مرارا وتكرارا، البيع لا يتم إلا بدفع مقابل مادي، لا يجب أن نعتبر الصفقة منتهية بمجرد وعد أو كلمة أو وصل أمانة أو شيك، أو حتى عقد مكتوب، النقطة الفاصلة في البيع بالنسبة لأي شركة يجب أن تكون عبارة عن المبلغ المالي الذي يضاف لحساب الشركة، بحيث تستطيع الشركة متى أرادت أن تنفق منه، غير ذلك يمكن أن تعتبر الصفقة مجرد سراب.
م/محمدالباز
رئيس مجلس إدارة أكاديمية أعمل بيزنس