أمسكتُ بالقلم، ولا أدري في أيِّ أودية الكتابة أجري، لكنّني حتماً سأجري في أخاديدها، المتنوعة أو متاهاتها التي هي في الحقيقة ليست متاهةً بالمعني الحرفي للكلمة؛ لكنّها توصيفٌ مؤقتٌ حتى يتم الاهتداء إلى المعنى المنثال من ثنايا النفس وأحناءها، حتى يتماهى سيلُ الكلام وتتبددُ سُجُف الظلام، والحياة لا تشرق إلَّا إذا واجهها الإنسان بكل رباطة جأش وتفهُّم فلن تلين قناةٌ عوّدها صاحبُها على المِراس.
فـإن تكـن الأيـامُ فيـنا تَبـَدَّلَتْ
بِـبُؤْسى ونُعْمى والحوادثُ تَفعلُ
فـما ليَّـنَت منَّـا قنـاةً صـليـبةً
ولا ذلَّلـتْـنا للتي ليـس تجْمُلُ
إنّ المرءَ إذا نهكته الأيامُ واستطالت به الأدواءُ، لجديرٌ به الالتجاء إلى ذي القوة العلياء، وفي لحظات العمر عندما تتبينُ له مساربَ النفسِ الإنسانية وخلجاتها وقد أوفى على شاهق من الشواهق، ينظر فلا يكاد يرى إلا تلك الوجوه الناعقة بتعقيدات الحياة المادية، وقد قضى ردحاً من سِني عمره بين صفحات الكتب، يكتسب به أدباً يرقى به إلى أعلى الرتب، يغنيه عن محمود النسب والسبب والنَّشَب هكذا نثرتُ هذا البيت، بعد أن كان منظوما لعلَّ به الوصولَ والمرتقى إلى بلاغة القول التي حولها يتمارى أهل اللَّسن، أما أنتَ فقد قضيتَ ما عليك وبقي الذي لك، فكيف نجازي مَن جاوز المدى في إخلاص الخُلّة، وتمحُّض النُّصح، ولا يُقيمُ أَوَدَ النفس مثلُ تهذيبها بالأدب واكتسابه قال رجلٌ لبنيه: "يا بني أصلحوا من ألسنتكم فإنَّ الرجلَ تنوبه النائبةُ يحتاجُ أن يتجملَ فيها فيستعير من أخيه دابةً ومن صديقه ثوباً ولا يجدُ مَنْ يُعيرُه لساناً" فاللِّسان لا يُعار كما أوصى هذا بنيه
فتلك أشياءُ لا تُشترى كما قال: أمل دنقل، و الاعتكاف في محراب الحرف يصقل المَلَكة اللُّغوية ويسكب البيان على اللِّسان ويفكُّ عُقْلته.
فدعِ الإناء يفيض حتى يتحدد نوعُ ما تَودُّه وسيظهر على فلتات قلمك شئتَ أم أبيتَ، وهذه سنة الله تمضي أقدارُها و تتحدد مساراتُها بعد الأخذ بحظ وافر من الزاد القِرائي وحيثما تتوق النفسُ يتحقق المرادَ.
سالم صعيكر البلوي
ماجستير إدارة أعمال