من يتذكر التسريبات الاستخباراتية الصوتية المسجلة التي كان يتحفنا بها المعارض القطري: (خالد الهيل) قبل أشهر..؟ تلك التي كانت تنقل ما كان يدور داخل (خيمة العار القذافية)، من مؤامرات وخيانات ضد عدد من البلدان العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية..؟
لماذا توقفت هذه التسريبات..؟ ومن وراء توقيفها..؟ بل من كان وراء تسريبها ابتداءً بهذه الحرفية العجيبة؛ إذا لم تكن جهة استخباراتية محترفة؛ فمن إذن..؟
لا شك أن خيمة الهالك معمّر القذافي كانت في حياته وكرًا للمتآمرين بكل ما تعنيه الكلمة. كان فيها عبيد الترك، وبغال الفرس، وأنجاس الإخوان المفسدين، وغيرهم ممن هب ودب من بقايا القومجيين باعة الأوطان.
أتحفنا الهيل بتسجيلات مخزية مخجلة مع القذافي، واستمعنا إلى هذيان من إخوانيين خوارج على أوطانهم من الكويت والسعودية وغيرها، وبقدر ما شكّل هذا صدمة للكثيرين في المملكة العربية السعودية والكويت وعُمان وكل الشعوب العربية، حين يكتشفون أن هناك من بينهم من يخطط لهدم كياناتهم وتهديد أمنهم واستقرارهم؛ إلا أن هذا الكشف- وإن كان نقمة- ففيه نعمة من باب: (اعرف عدوك)، لأنه أظهر عداء الأخ العربي لأخيه العربي، والجار الخليجي لجاره الخليجي، وكشف عورات من كان يحكم دولة عربية، ومن يحكمها اليوم؛ ويخطط لتقسيم المملكة العربية السعودية، وتفتيت دول الخليج وكل العرب، وعرّى المشروع الإخواني، الذي يستعدي الفرس والترك على البلدان العربية كافة، بل ويضع يده بيدهم، لإزاحة الدول العربية، وتمكين الفرس والترك من التراب العربي الطاهر.
إلى هنا؛ وما جرى من كشف وفضح يجعلنا نشكر كل من وقف وراءه، سواء كان خالد الهيل، أم جهة استخباراتية، أم شخص ما كان قريبًا من الهالك القذافي في حياته، ووضع يده على تسجيلاته وأسراره فسربها. ربما نكون موعودين في مقبل الأيام بمفاجآت جديدة من هذه التسريبات الزاكمة للأنوف. لكن.. ما سر أسرار هذه التسجيلات..؟ هذا سؤال محيّر حقيقة. هل كان أحد ما يسجل على العقيد في خيمته دون علمه..؟ أم هو من كان يسجل على نفسه كل جلساته ومحادثاته ومهاتفاته؛ لكي يستخدمها ذات يوم إذا نكث من يتعاون معه بما وعد وتعهد به..؟
كل ما ورد أعلاه هو احتمال وارد. لكن.. هناك احتمال آخر أميل إليه، ورد عنه تلميح.. بل تصريح في كتاب: (الحكام العرب في مذكرات زعماء وقادة ورجال مخابرات العالم.. أسرار ما يدور خلف الكواليس) لمجدي كامل. صدرت طبعته الأولى عام 2008م. الكتاب يتحدث عن وقوع الهالك القذافي- كما غيره من زعماء كُثر- تحت مجهر (البرغوث الإلكتروني)، الذي هو حشرة إلكترونية (بروميس)، تستخدمه المخابرات الأميركية في التجسس على الدول ومنها الدول العربية، ودخلت هذه الحشرة الإلكترونية عالم الجاسوسية والمخابراتية بقوته ودقته المتناهية، وأثبتت نجاحًا كبيرًا في الحصول على المعلومات المطلوبة ونقلها بسرعة مذهلة، كما تستطيع هذه الحشرة التي يصعب اكتشافها؛ الحصول على المعلومات، مما يصعب على الأجهزة المخابراتية الوصول إليه، كتحليل الحالة النفسية للأشخاص المطلوب التجسس عليهم، وخاصة الرؤساء والشخصيات المهمة. ومنذ أول اكتشاف لهذه الحشرة في ألمانيا عام 1997م- وكان عبارة عن مرسل صغير- حيث أشار إليه العالم الألماني (أيرش شميدت ابينوم)، وأعلن أن استخدام مرسل بالغ الصغر- يمكن تركيبه في أي كومبيوتر- يستطيع أن يرسل ما هو موجود في هذه الكومبيوترات إلى الأقمار الصناعية خلال جزء من الثانية، وذلك بزراعته سواء في (وحدة المعالجة المركزية)؛ أو ما يطلق عليه: (لوحةCUP-) أو في إحدى الرقائق الموجودة باللوحة.
وفي طليعة الزعماء العرب الذين تجسس عليهم (البرغوث الإلكتروني)؛ الهالك معمّر القذافي. فقد استخدمت المخابرات الأميركية علماء النفس وأخصائيين نفسيين لتحليل المعلومات الخام عن العقيد القذافي، وتحليلها لمعرفة الحالة النفسية التي كانت أهم ما يشغل هذه المخابرات، خاصة أثناء توتر العلاقات الليبية الأميركية، وهو ما يعرف في أوساط المخابرات باسم: (التجسس الفرويدي)، وقد توصلت هذه المخابرات إلى أن القذافي امتص حسب قولها بشكل مبالغ فيه؛ الخصائص البدوية، كالتعصب الديني، والإحساس الحاد بالكرامة، والتقشف، وكراهية الأجانب، والحساسية تجاه الإهانات، بسبب الظروف التي تعرض لها في بداية حياته خلال سنوات دراسته الأولى، من اضطهاد أهل المدينة، التي خلقت لديه نوعًا من النفور من النخبة.
من الملاحظ أن تسريبات خيمة العار والخزي؛ تميزت بروح المغامرة الصبيانية، سواء في تفكير هرمها القذافي، أو في تفكير ضحاياه، فإذا كانت هذه التسريبات من حصاد (البرغوث الإلكتروني)؛ فهل هناك تسريبات أخرى على الخط الفضائحي لمغامرين آخرين من الزعماء؛ وخاصة في الشرق الأوسط؛ الساعي إلى هلاكه (قردوغان)..؟ لقد كشف قيادي إخواني تائب هو الدكتور (ثروت الخرباوي) في واحدة من تسجيلاته المتلفزة؛ واحدًا من أسرار المغامر الطائش (قردوغان)؛ يوم قال له قبل أكثر من عشر سنوات داخل المسجد النبوي الشريف: (عندما أتولى الرئاسة؛ لن تكون هناك دولة السعودية)..!
رضي الله عنك يا حسّان المصطفى صلى الله عليه وسلم. ما أصدقك يوم قلت:
لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن قِصرٍ
جِسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ