جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله - أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, في الدورة الحالية لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر الاتصال المرئي, لتؤكد استشعاره الكبير للدور القيادي المسؤول للمملكة في ظل تحدي جائحة كورونا من جهة، والتحديات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة والعالم من جهة أخرى.
وحرص خادم الحرمين الشريفين من خلال خطاب المملكة السنوي في الأمم المتحدة، على توظف هذا المنبر العالمي لمصارحة العالم بأهم القضايا والمهددات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يواجهها وطرق معالجتها ومجابهتها، بواقعية سياسية تقدم الحلول المعززة والداعمة لجهود الأمن والاستقرار.
وحظي خطاب المملكة أمام أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، بأهمية بالغة جدًا، بوصفها رئيسًا لمجموعة العشرين، والقائد الفعلي والحقيقي للعالمين الإسلامي والعربي، فضلًا عن محورية دورها المسؤول في مجابهة قضايا المنطقة ومحاربة الإرهاب والتطرف ومعالجة التحديات العالمية المتعلقة باستقرار أسواق الطاقة.
وتضمن خطاب خادم الحرمين الشريفين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مواقف المملكة حيال أهم القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية، وهي مواقف ثابتة راسخة تتسم بالوضوح والمصداقية، وتهدف إلى إحلال الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم.
ومواقف المملكة في المحافل الدولية تستند إلى مرجعية دينية وثقافية وأخلاقية راسخة ومتجذرة، تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي، والثقافة العربية، والقيم الإنسانية المشتركة، الداعية إلى التعايش والسلام والاعتدال، وتكاتف الدول والشعوب في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة والتعايش والسلام والاعتدال هي الثلاثية التي تعتمدها المملكة في صياغة علاقاتها الدولية ومضمون رسالة المملكة للعالم التي حرص خادم الحرمين الشريفين على تأكيدها، انطلاقًا من التعاليم الإسلامية وثقافتها العربية وإيمانها العميق بالقيم الإنسانية المشتركة التي تربطها بجميع دول العالم.
للمملكة العربية السعودية دور قيادي ومحوري في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تهدد أمن شعوب منطقة الشرق الأوسط، واستقرار دولها، من خلال إسهامها في جهود الوساطة والتوصل لحلول النزاعات بالطرق السلمية دعمًا منها للأمن والاستقرار والتعايش المشترك والنمو والازدهار العالمي.
واختارت المملكة طريقها نحو المستقبل من خلال رؤية 2030 التي تطمح من خلالها أن يكون اقتصادها رائدًا ومجتمعها متفاعلًا مع محيطه، ومساهمًا بفاعلية في نهضة البشرية وحضارتها. ٢
وتنتهج المملكة في محيطها الإقليمي والدولي سياسة قائمة على الثبات والاعتدال واحترام القوانين والأعراف الدولية، والسعي المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في محيطها، ودعم الحلول السلمية للنزاعات، ومكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة والداعمين للإرهاب تمويلًا وفكرًا.
الدور القيادي الذي تلعبه المملكة، من موقعها كرئيس لمجموعة دول العشرين من جهة ولاعبًا رئيسًا في المجتمع الدولي من جهة أخرى، وتنسيقها الجهود الدولية لمكافحة جائحة كورونا والحد من تأثيراتها الإنسانية والاقتصادية، يعكس صدق التزامها بدعواتها للتكاتف بين دول العالم وشعوبها في مواجهة التحديات الإنسانية المشتركة.
ما قدمته المملكة من دعم مالي بقيمة 500 مليون دولار لجهود مكافحة جائحة كورونا، وتعزيز التأهب والاستجابة الدولية للتعامل مع الجائحة وآثارها، يأتي امتدادًا لمساعداتها الإنسانية والتنموية المستمرة التي لا تستند في تقديمها لأي أسس سياسية أو دينية أو عرقية، حيث تجاوزت قيمة مساعداتها 86 مليار دولار استفادت منها 81 دولة، وأهلتها لصدارة الدول المانحة.
ومهما بلغت حدة وحجم الصراعات في المنطقة، إلا أن السلام يُعد الخيار الاستراتيجي للمملكة والذي من خلاله يُمكن الانتقال بالشرق الأوسط إلى مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والتعايش والازدهار لشعوب المنطقة قاطبة.
اتخذت المملكة السلام في الشرق الأوسط خيارًا استراتيجيًا من خلال دعمها جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، ودعوتها المجتمع الدولي إلى عدم إذخار الجهد للعمل على تحقيق مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة. ٣- تأكيدًا لخيارها الاستراتيجي نحو إحلال السلام، قدمت المملكة منذ العام 1981 أكثر من مبادرة ترمي إلى تحقيقه وتضمنت مبادرة السلام العربية مرتكزات لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي، يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي إطار دعم المملكة لجميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام في المنطقة، فإنها تساند جهود الإدارة الأميركية الحالية لإحلال السلام، من خلال العمل على جمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وشامل.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققته خلال الأعوام القليلة الماضية، إلا أن نجاحها الكامل يتطلب معالجة شمولية للفكر المغذي للتطرف والتمويل المغذي لأعمال العنف، وهو ما يؤكد على أهمية الدعوة السعودية لتكثيف الجهود لمواجهة هذا التحدي بشكل شامل، بما في ذلك مواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية والداعمة للأيديولوجيات المتطرفة العابرة للأوطان.
تعتبر المملكة أن الإرهاب والتطرف تحديًا رئيسًا يواجه العالم بأسره؛ وقد حققت مع شركائها الدوليين، نجاحات مهمة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك دحر سيطرة تنظيم داعش على الأراضي في سوريا والعراق، وتوجيه ضربات مهمة لتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن.
تساند المملكة الجهود العالمية المشتركة لمواجهة تحدي الإرهاب والتطرف، وقدمت الدعم لعدد من المؤسسات الدولية المعنية، ومن ذلك دعم مركز الأمم المتحدة الدولي لمكافحة التطرف بمبلغ 110 ملايين دولار، وإنشائها المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، واستضافتها المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب.
موقف المملكة من الإرهاب والتطرف ينطلق من اضطلاعها بمسؤولية خاصة وتاريخية، تتمثل في حماية العقيدة الإسلامية السمحاء من محاولات تشويهها من قبل التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة، والتأكيد على براءة الإسلام من جميع الجرائم النكراء والفظائع التي ترتكب باسمه.
تجد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة بيئة خصبة لظهورها وانتشارها في الدول التي تشهد انقسامات طائفية، وضعفًا وانهيارًا في مؤسساتها، ومن متطلبات الانتصار في المعركة ضدها، عدم التهاون في مواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية، والوقوف بحزم أمام الدول الداعمة لإيدولوجيات متطرفة عابرة للأوطان. محور العلاقة مع إيران.
قدم خادم الحرمين الشريفين للمجتمع الدولي، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلاصة تجارب المملكة مع النظام الإيراني، والتي تؤكد أن الحلول الجزئية ومحاولات الاسترضاء لم توقف تهديدات هذا النظام للأمن والسلم الدوليين.
- رؤية المملكة واضحة وصريحة حول ما يجب أن يقوم به المجتمع الدولي تجاه النظام الإيراني، من ضرورة إيجاد حل شامل واتخاذ موقف دولي حازم؛ يضمن معالجة جذرية لسعيه للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وتطوير برنامجه الصاروخي، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعايته للإرهاب.
- الخطر الذي يشكله النظام الإيراني على أمن المنطقة والعالم برمته ليس وهمًا أو خيالًا، حيث بدأت العديد من الدول الغربية والأوروبية تستشعر ذلك الخطر الذي سبق وأن نبهت إليه ومنه المملكة مرارًا وتكرارًا، وهو ما يستوجب حلًا شاملًا وموقفًا دوليًا حازمًا بعيدًا عن محاولات الاسترضاء التي باءت بالفشل.
- على الرغم من تعامل المملكة بإيجابية مع إيران أمام أنظار العالم أجمع واستقبال رؤساءها مرات عدة لبحث السبل الكفيلة ببناء علاقات تعتمد على حسن الجوار والاحترام المتبادل؛ إلا أن نظام طهران رفض مصافحة يد السلام، ولم يُفسح المجال لهذه الجهود والنوايا الحسنة ولم يِبادلها إلا بالمزيد من التآمر والعداء.
- استغل النظام الإيراني الجهود الدولية لمعالجة برنامجه النووي في زيادة نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب وإهدار مقدرات الشعب الإيراني لتحقيق مشروعات توسعية، لم تنتج منها إلا الفوضى والتطرف والطائفية، التي تضررت منها دول وشعوب المنطقة وطالت تأثيراتها اقتصاد العالم برمته.
- تجلى النهج الإيراني العدواني في الاستهداف غير المسبوق للمنشآت النفطية في المملكة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، واعتداء على الأمن والسلم الدوليين، بشكل يؤكد أن هذا النظام لا يعبأ باستقرار الاقتصاد العالمي وأمن إمدادات النفط للأسواق العالمية.
- استمرت إيران في عدوانها على المملكة عبر أدواتها في اليمن، إذ استهدفت أراضيها بأكثر من 300 صاروخ باليستي و400 طائرة بدون طيار، في انتهاك صارخ لقراري مجلس الأمن الدولي 2216 و2231، ساعية بذلك إلى تهديد أمن الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني الشقيق، ما هي إلا نتاج لتدخلات النظام الإيراني في اليمن من خلال انقلاب الميليشيات الحوثية التابعة له على السلطة الشرعية، وما ترتب على ذلك من تهديدٍ لأمن دول المنطقة والممرات المائية الحيوية للاقتصاد العالمي.
- ستظل المملكة داعمة للشعب اليمني حتى يستعيد كامل عافيته وسيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، ونظام طهران وحده من يتحمّل تداعيات الأزمة المتفاقمة من خلال مواصلته دعم المجهود الحربي للميليشيا الحوثية الإرهابية وتهديدها أمن اليمنيين والممرات المائية الحيوية للاقتصاد العالمي وعرقلتها لجهود التسوية السياسية.
- الميليشيات الحوثية هي المسؤولة عن تعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وعرقلت جميع جهود التوصل إلى حل سياسي، ورفض التجاوب مع جهود التهدئة ووقف إطلاق النار استجابة لدعوة الأمم المتحدة، كما تسببت بعدم إتاحة الفرصة لتعزيز جهود مكافحة جائحة كورونا، واستمرت في استهداف المدنيين في اليمن والمملكة.
- محددات سياسة المملكة تجاه اليمن أكدّها خادم الحرمين الشريفين في عدم التهاون في الدفاع عن أمن المملكة الوطني، وعدم التخلي عن الشعب اليمني حتى يستعيد كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، واستمرار تقديم الدعم الإنساني له، ودعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن وفقًا للمرجعيات الثلاث.
-على الرغم من تفضيل المملكة للحلول السلمية والسياسية في معالجة القضايا والأزمات الطارئة التي تفتعلها بعض الدول في محيطها، إلا أنها لن تتوانى في حماية أمنها واستقرارها ضد كل من يحاول العبث أو المساس بهما، سواءً من دول أو منظمات إرهابية متطرفة، وهي قادرة بما تمتلكه من إمكانات بتحقيق سبل الردع الواجب اتخاذها في مواجهة تلك المخاطر والمهددات.
- تجريد حزب الله الإرهابي من سلاحه هو بداية تصحيح الوضع داخل لبنان المسيطر عليه من قبل ذلك الحزب الذي تسببت سيطرته على البلاد وسياسة فرض الأمر الواقع إلى كارثة إنسانية كبيرة نتيجة انفجار مرفأ بيروت، وهو ما يجعل من دعوة المملكة لمعالجة السلاح غير الشرعي أمرًا بالغ الأهمية لأمن واستقرار لبنان واللبنانيون.
- وقفت المملكة باستمرار إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، كما تقف معه اليوم بعد تعرضه إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، وما يعانيه اللبنانيون اليوم، ما هو إلا نتاج لهيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح، وتعطيله مؤسسات الدولة الدستورية. محور ملفي ليبيا وسوريا ١- تولي المملكة أهمية بالغة للأمن القومي العربي وتدعم كل الجهود الرامية لتحصينه ضد التدخلات الخارجية سواءً أكان مصدرها دولًا أو منظمات إرهابية أو مجموعات المرتزقة، وما إدانتها للتدخلات الأجنبية في ليبيا ودعوتها لطرد الميليشيات من سوريا إلا دليلًا على استشعارها العميق لمصادر التهديد التي يتعرض لها هذين البلدين العربيين.
- تشعر المملكة بالقلق إزاء التطورات في ليبيا التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لوحدتها وسلامة أراضيها، ومن هذا المنطلق كانت دعوتها لجميع الأشقاء الليبيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، والوقوف صفًا واحدًا للحفاظ على وحدة بلادهم وسلامتها.
- تجدد المملكة موقفها الثابت من الأزمة السورية، بتأييدها الحل السلمي للأزمة، وخروج الميليشيات والمرتزقة منها، والحفاظ على وحدة التراب السوري. محور التحديات الإنسانية الدولية
- مع وجود العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، إلا أن ذلك لم يُشغل صانع القرار السعودي عن الملفات التي تكتسب أهمية قصوى لإنسان العالم، مثل التغير المناخي ومكافحة الفقر والجريمة المنظمة وانتشار الأوبئة، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود والعمل الدولي لمواجهة هذه التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية.
- المملكة جزء لا يتجزأ من هذا العالم، ولذلك توجه الدعوة، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتكثيف الجهود والعمل الدولي المشترك لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية جمعاء.
- تتطلع المملكة إلى تجاوب المجتمع الدولي مع دعوتها لتعزيز التعاون في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها الإنسانية اليوم، والعمل معًا من أجل غدٍ مشرق، تعيش فيه الأجيال القادمة بأمن واستقرار وسلام.