كيف تتوقع لجيل يتلقى تعليمه منذ مرحلة الروضة بشكل تقني وعن بعد ؟
وماالمعاني والمفاهيم والقيم الحياتية التي ستتشكل في ذهنه ووجدانه؟
وأي مسافة فكرية ومهارية سيتم تجسيرها على المدى القريب للوصول لمحطة الرؤية ؟
لم يكن يُتوقع أن يصل تعليمنا لهذا المستوى من التقانة بحيث يتعلم طلاب المملكة من منازلهم،وتنقل المدرسة إلى المنزل أو أي مكان يتواجد فيه الطالب عبر جهاز حاسوب أو من هاتفه النقال من خلال منصة (مدرستي) التفاعلية التي توفر فصولا افتراضية عن بعد ، وتتيح الدخول للطلاب والمعلمين والمشرفين وأولياء الأمور وتدعمها أكثر من (20) قناة تعليمية , وأكثر من 500,000معلم ومعلمة سيضعون بصمتهم في هذه المحطة المهمة من تأريخ مسيرة تطوير التعليم ببلادنا.
وهنا يبرز التساؤل العريض :
هل جائحة كورونا هي السبب الوحيد في التحول إلى التعليم الإلكتروني عن بعد ؟
لاشك أن حياة الإنسان وسلامة أبنائنا أولوية لدى قيادتنا تجلت في كثير من قراراتها أثناء الأزمات غير أن المتأمل في مفردات رؤية المملكة العربية السعودية يجد أن التحول إلى العالم الرقمي من أهم ماتضمنته رؤية 2030 والتحول الوطني2020، وتحقيقا لذلك تم إنشاء وحدة التحول الرقمي في 2017, وخطت بلادنا خطوات متقدمة لتطوير أداء العمل الحكومي والقطاع الخاص لنشر مفهوم التعاملات الإلكترونية في وقت سبق جائحة كورونا , وذلك بتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين تقنيا عبر منصات إلكترونية وتطبيقات متعددة بهدف تحسين جودة الحياة وتحقيق معدلات عليا لرفاهية المواطنين والمقيمين، وتشكيل نمط حياة مجتمع يعتمد في تواصله وتفاعله على التقنية .
وعندما حلّت جائحة كورونا فرضت تعليق حضور الطلاب للمدارس , فكان قرار استمرار التعليم عن بعد نقطة تحول في مسار تأريخ تعليمنا ، حيث تم استثمار هذا الظرف لتسريع عملية التحول الرقمي للتعليم ، ووضعت هذه الجائحة تحديا أمام وزارة التعليم لإحداث تحول كبير يتمم مشروع وحدة التحول الرقمي الذي كانت الوزارة تعمل على تنفيذه منذ سنوات من خلال بوابة مدرسة المستقبل وعدد من البرامج لتلبي متطلبات الرؤية في مجال التعليم الرقمي.
إن منصة (مدرستي) تتيح للطلاب عددا من الخدمات التفاعلية إضافة إلى قنوات عين واليوتيوب التعليمية ، والطلاب وإن كانوا سيفتقدون الجو المدرسي بمايهيئه من دعم لعلاقاتهم وأنشطتهم إلا أن هذا النمط من التعليم ينطوي على عدد من المزايا من أهمها تنمية الاعتماد على الذات وتطوير مهارات التحليل والتفكير والإبداع ، والجاذبية لكون عملية التعليم تتم بشكل تقني وفي أجواء مريحة للطالب بمنزله أو مقر تواجده ، كما يوفر على الأسرة بعض التكاليف من مصاريف ونقل وغير ذلك ، ويقلل الهدر فضلا عن كون التعليم عن بعد يمثّل خيارا مستقبليا يواكب العصر ويفتح آفاقا جديدة للاستثمار في التعليم عن بعد من قبل المدارس والمعاهد والجامعات ، وقد يكون هو الخيار المفضل للتعلم لدى بعض الفئات مستقبلا.
مانود الإشارة إليه أن الأسرة في التعلم عن بعد أمام أدوار جديدة ومنعطف جوهري في هذا الظرف الذي نقل المدرسة إلى المنزل ليشكّل من جديد مفهوم الدعم الأسري لتعلم الأبناء من حيث حجم الزمن الذي تخصصه الأسر للتخطيط والإشراف على تعلم أبنائها ، وتنظيم أوقاتهم ، وخلق الجو الإيجابي نحو هذا اللون من التعليم وبيان مزاياه ، ومتابعة إنجازالتكليفات عبر المنصة ، والتواصل الفعال مع المعلمين ومنسوبي المدرسة , وهذا سيعمّق شراكة الأسرة مع المدرسة ويحقق ماورد في مؤشرات مستهدفات رؤية المملكة حول المشاركة الإيجابية للأسر بنسبة ٨٠٪ في أنشطة وتعلم أبنائهم, وسيرفع مستوى الوعي التقني وإدراك جدواه.
وأخيرا لاشك أن هناك بعض المعوقات التي تتطلب العمل على معالجتها , ولكن ذلك ينبغي ألا يثنينا عن طموحنا ليواصل أبناؤنا وبناتنا تعليمهم , ولنكون مشاركين في إحداث هذا التحول الرقمي الذي ستكون عوائده إيجابية بإذن الله تتمثّل في جيل مزوّد بمهارات تقنية قادر على التعلم الذاتي والتفاعل مع المتغيرات العالمية ومواكبة متطلبات سوق العمل.
ونؤكّد على أن نجاح التعليم عن بعد عبر منصة (مدرستي) والقنوات التعليمية الداعمة لها وبجهود وعطاء زملائنا المعلمين والمعلمات يتطلب الإتقان في التنفيذ والتقييم المعزّز وتكامل الأدوار بين منتسبي المدارس والأسر والأجهزة الإدارية والإشرافية واستثمار الإمكانات لتحقيق أهداف التعليم عن بعد ، وفي السياق ذاته نتطلع إلى المبادرات التي اعتدناها من المؤسسات غير الربحية ورجال الأعمال لتوفير الأجهزة اللوحية ومايلزم التعلم عن بعد للطلاب الذين يحتاجون إلى ذلك، كما نؤمل توسيع دائرة نطاق الأعمال التطوعية المنظَّمة والمخَططة لدعم تعلم طلابنا وطالباتنا وخصوصا لمن هم في أمس الحاجة لتحسين مهاراتهم ليثمر هذا التكامل نجاحا وتقدما لأبناء وبنات وطننا المبارك وتحقيق أهداف بلادنا التنموية.