دون أدنى مجالاً للشك أن بناء الحضارات وتقدم الأمم يكمن في عقول أبنائها التي تحفظ حقب من تاريخيها، فمن لا يعرف تاريخه لن يكون له مستقبلاً مزدهراً ، فبدون الأساس المتين لن يكون هناك بنيانٌ شامخ.
ومن الشخصيات البارزة التي نهلت من نبع المملكة في مجال الشعر والأدب والفن التشكيلي الدكتور : ناصر الحجيلان بتميزه بأتقانة للشعر العربي الأصيل.
فليس مستغرباً أن يهتم بهذا اللون من الفن الاصيل، فهو إرث الآباء والأجداد، فلقد مّن الله على العرب في شبه الجزيرة العربية بلسانٍ عربيٍّ فصيح.
وأثناء شغله منصب وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية أكد الدكتور : ناصر الحجيلان اهتمام الوزارة بالشعر الشعبي كأحد أشكال التراث الأدبي المسموع، مشدداً على أن وكالة الوزارة تلقي اهتماماً للشعر بلونيه الشعبي والفصيح.
وكذلك حظي الفن التشكيلي باهتمام الدكتور "الحجيلان" حيث أسهم بدور كبير لا يمكن أن يغفله الفن التشكيلي وفنانيه حيث كان متابعًا متجاوبًا لأي أمر يدفع بالفن التشكيلي ومن ينتسب إليه حاضرًا في المعارض مشجعًا كما هو داعم لبقية الأنشطة في الوكالة، حيث عرف بالحكمة والنزاهة والصدق ورحابة الصدر، والإشادة بالتميز والإنجاز.
لقد أعاد إحياء الفنون من منطلق أنها ليست بلهوٍ أو قضية هامشية بل أن الفن حاجة غريزية عند الإنسان ، فهو يرفع شعاراً "منذ أن وجد الإنسان وجد الفن " ،وعندما صنع الإنسان الكوب ليشرب الماء زخرفها بأجمال الألوان والأشكال.
لذلك لا يمكن الارتقاء بالمجتمعات إلا بالرقي بالفنون، ويرجع للدكتور "الحجيلان" الفضل في تصحيح المفاهيم الخاطئة للفن التشكيلي من خلال نشر الوعي عبر احتضان المؤتمرات المروجة للفن والشعر والأدب.
وفى مقال نشره في صحيفة "عكاظ" في ديسمبر 2011 يؤكد الدكتور الحجيلان أن السبب وراء تألقه في هذه المكانة هو أنه ينحدر لأسرة تقطن جنوبي منطقة حائل، وقضى طفولته مع أخواله في قرية الغزالة التي أصبحتْ محافظةً مزدهرة الجمال، حيث كان يعيش حياة بدائية في بيت طيني وسط مزرعة بلا كهرباء ولا أي من الوسائل الحديثة، "كانت الطبيعة هي التي التصقت بنا منذ الصغر، "وكنا نشرب الماء من القربة وفي مرحلة أخيرة حينما انتقلنا إلى البيوت الإسمنتية الشعبية أصبحنا نشرب ماء «الأزيار» الفخارية التي تحتفظ بالماء باردا"،
ولم ينس يوماً أصله الريفي، لافتاً إلى أنه التصق بالطبيعة وأحبها، فعندما عاد من أمريكا بعد سنوات طويلة من الغياب، اصطحبه شقيقه إلى منطقة بعيدة عن الرياض اسمها روضة «خريم»، وهي منطقة ربيعية كلها زهور، عندها نشطت الذاكرة وعادت إلى ما مضى من زمن بعيد تماماً، "لأشتم نفس الرائحة التي كنت أشمها في طفولتي وهي رائحة الخزامى وأزهار الربيع ".
ويوضح أن علاقته مع الأشخاص والأمكنة والأحداث قوية، فهناك صور لشخصيات حاضرة في ذهنه وكيانه مهما بعدت به الأيام، ومن هذه الصور جدته لأمه، وصور كثيرة استفاد منها في حياته لأن التصاقه بجدته كان في مرحلة حساسة من العمر، وكذلك جده لأمه فقد كان شاعراً، رقيق الإحساس، يلقي الشعر بطلاقة، فلهذا كان هناك نوع من المعادلة بالنسبة لهم كأطفال، فقد كان جده زايد الفهد، رحمه الله، مثالاً للرجل الفارس الكريم النبيل ونموذجاً للرجل الحكيم المتوازن ،ويؤكد فبحكم كبر سنه ودرايته وحكمته ومكانته بين قومه فقد كانوا يأتون إليه دائماً لأخذ مشورته والاستهداء برأيه. وأيضا هناك شخصية ثالثة تأثر بها وهو خاله عبدالكريم الزايد لأنه كان رجلاً جاداً حازماً، وكان معلماً في القرية، له هيبته ومكانته، وكان يمتاز، رحمه الله، بالإخلاص والصدق وقوة الإرادة والإصرار، إلى جانب شخصيات أخرى في المدرسة من معلمين وزملاء ومدير المدرسة، وحتى حارس المدرسة.
وفى الختام، نتمنى أن يولدَ كلَّ يومٍ صاحبَ همةٍ...
ولا أبالغ في أن النهوض بالأمم يحتاج مثل هذه الشخصية التي تتمتع بحضور وعلم وأدب "الحجيلان"
أ : عبدالعزيز بن رازن.
الباحث بمركز الدراسات العربية الروسية.