قبل اسابيع وصلتني إحدى الطلبيات من إحدى المتاجر الالكترونية.. اتصل بي المندوب بشركة التوصيل (كان غير سعوديَّ) وأخبرني أنه في الطريق.. عندما وصل، طلب مني الخروج له واستلام الشحنة.. كنت وقتها منشغلًا بإجراء بعض المهام فطلبت من أحد أخوتي مقابلة المندوب واستلام الطلبية، وفي وقتها أخبرت المندوب بأن أخي الأصغر سيأتي ويستلم منك الشحنة! تفاجئت به قائلاً: "آسف، لازم أنت تجي وتستلم الشحنة" تعجبت من إصراره، فتوقفت عن شُغلي وخرجت لمقابلته.. استلمت الطلبية.. ثم قال لي: "عمو فيه هدية!؟!" لم استوعب كلماته، قلت: ايش؟ فكررها..
بين المرة الأولى التي ذكر فيها "عمو فيه هدية؟!" والثانية راجعت كثيرًا من حساباتي الشخصية.. وكان هناك تضارب في كثير من التساؤلات في مخيلتي!!
لم أذكر هذه القصة للتشهير! فقد تعلمت من ذلك الرجل الصبر والكفاح.. ولكن حتى ندرك حقيقةً أننا عندما نعتاد على أي شيء، نبدأ في فقدان الشعور بقيمته!
الأمن والآمان، الاستقرار، رفاهية العيش، قرب المسافات، وجود الأهل والأصحاب بجوارنا، تعدد الفرص، عدم احتياجك لدواء معين، أو عدم حاجتك لغسيل كلوي أو مراجعة مستمرة لمعضلة كبيرة والكثير الكثير من النعم التي تحيط بنا ولا نعطيها أي مستوى من التفكير والسبب بكل بساطة أننا اعتدنا عليها!
بينما هناك من سُلب منه نعمة الأمن، فقد الاستقرار، حُرم من رفاهية العيش، الخ ..
نحن في بلادنا نتعلم وندرس بالمجان بل وفي المراحل الجامعية تُصرف للطالب المكافئات المالية ومكافآت التميز بل وتبتعث الدولة الطالب لمُختلف دول العالم حتى يتسلح بسلاح العلم والمعرفة والتكاليف مدفوعة والراتب أو المكافئة مستمرين!
التقيت ذات يوم بأحد أصحابي المقربين (مع تطبيق الاحترازات الصحية) وكان قد تخرَّج هذا العام من مرحلة البكالوريوس، فطرحت عليه سؤالًا بسيطًا ولكنه كان صادمًا له!
قلت له؛
أنت الآن عليك قرض مالي بمبلغ 300 ألف ريال سعودي تكلفة دراستك بالجامعة واستفادتك من كل خدمات الجامعة التي قُدمت لك، ويجب عليك سداد التكلفة مجرد أن تلتحق بإحدى الوظائف!
لم يستوعب السؤال، فشرحت له ثانيًا ثم استوعب ما قلته.. لماذا؟! لأننا لم نفكر يومًا بهذا الشيء (الحمدلله)!!
وفي الحقيقة أنه لن يدفع ولا ريال!!
وفي إحدى المحاضرات الجامعية بالسنوات الماضية لفت انتباهنا أستاذ علم الأمراض بكلية الطب الأستاذ الدكتور علي صوَّان قائلًا؛
"تكاليف الدراسة في كندا تجعل الطالب يجمع بين العمل والدراسة حتى يحصل على المال الذي من خلاله يسدد رسوم الدراسة،
إلا طالب الطب، فالبنوك تعطيه قرضًا (لأنه ما يقدر يجمع بين العمل ودراسة الطب في وقت واحد) لدفع التكاليف وبعد التخرج يقوم بدفع قرض الدراسة!"
والكثير الكثير من النعم والخدمات التي يحصل عليها المواطن السعودي والتي نتقلَّب فيها دون أن نشعر بها!! لأننا منذ الولادة وجدناها ونشأنا عليها بفضل الله تعالى وكرمه ثم أن قيادتنا تحرص كل الحرص لأن يكون الإنسان السعودي هو الأول والأفضل ..
ونحن اليوم لسنا نعدد النعم التي أكرمنا الله؛ بها فهي لا تُحصى، ولكن ذكرها من باب المثال والتوضيح وحتى نتذكر بأن حاجتنا لبقاء هذه النعم يعتمد على مقدار شكرنا لله سبحانه .. قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}
نتألم كثيرًا لما جرى للعالم من أضرار اقتصادية وكساد في الأسواق العالمية! والآلم الأكبر؛ عندما نفكر في بلادنا الغالية وخططها الاقتصادية التي تأثرت جراء هذه الجائحة، بل وأنفقت الكثير للمواطن والمُقيم ومُخالف الإقامة!
ومن هنا تأتي قوتنا وعزيمتنا وواجبنا للوقوف مع قيادتنا وبلادنا، ونتقبّل التغيرات الاقتصادية، ونتأقلم مع المستجدات، فبلادنا تستمد قوتها من خالقها، ثم من قيادتها الحكيمة وشعبها الوفيّ المتماسك الذي لن يستطيع أي أحد من البشر -بإذن الله- المساس به ..
وعلينا أن نمتلك أعين النحلة لا الذبابة التي قد أشرت لها آنفًا في إحدى المقالات .. فالنحلة تجوب الأرض بحثًا ولكنها تختار الزهور مدرجًا للهبوط،
بينما الذباب يجول ولكنه يتخذ النفايات مدرجًا للهبوط!
فلنجعل كل شيء جميل في حياتنا هو مدرجنا للهبوط!
بقلم: عبدالله محمد القرني
Twitter
@AbdullahAlBlker
التعليقات 1
1 pings
فيصل العامري
18/07/2020 في 11:37 م[3] رابط التعليق
مقال مميز
(0)
(1)