التربية كلمة صغيرة اللفظ كبيرة المعنى تنطوي على الكمالات أجمعها. فهي ملاك الخير كله، وجماع الفضيلة بأسرها، وعليها مدار الكون، وبها ننال الفلاح، وفيها قبعت ذرات النجاح.
وهي في اللغة مصدر رباه يربيه بمعنى نماه. وفي اصطلاح علماء الأخلاق والتربية هي تنمية الأخلاق الفاضلة في النفس، وتعهدها بالإرشاد، لتكون ملكة راسخة فيها، فتثمر الفضيلة والخير.
فعلى التربية الحق سعادة الأمم وفلاحها، وشقاؤها وانخذالها. فمتى كانت التربية صحيحة في أمة من الأمم، رفعتها من وهاد التأخر إلى ذروة الفلاح. والعكس بالعكس. وعلى مقدار التربية تكون تجلية الأقوام في مضمار هذه الحياة. فما من أمة وجدت التربية الحق في قلوب أبنائها متسعاً إلا بلغوا ما يأملون من رفاه العيش وسعادة الحياة. وبقدر التربية يكون في الأمم الرجال المفكرون الذين يبذلون وسعهم، وينفذون مجهودهم، لترقية أمتهم وأوطانهم.
إن خير التربية ما كان يرضع مع اللبن، فمن تربى التربية المطلوبة وهو في سن الطفولة، نشأ والأخلاق الفاضلة خلق فيه، وصحة الرأي وصدق العزيمة شنشنة له. لذلك يجب أن يعتنى بالولد الاعتناء اللازم منذ يرى نور الحياة الدنيا. فيعود كرم الأخلاق والشجاعة وحب الخير، وغير ذلك من الفضائل والمحامد. ومتى كان كذلك فيرجى من الناشئ أن يكون عضواً صحيحاً في جسم الأمة، يبذل روحه ودمه في خدمة أوطانه ودولته.
ورغم أن التعليم أمر عظيم جليل القدر عظيم الفائدة ولكن التربية أشرف وأنبل، وأعظم وأجل. فإن العاقل الخبير، والناقد البصير، يرى من نفسه ارتياحاً لقوم حسنت تربيتهم، ونبلت أخلاقهم، وكرمت نفوسهم، ولو كانوا غير متعلمين. ولا يرى هذا الارتياح وذلك الانس بفئة من المتعلمين، ليس عندهم من التربية الصحيحة ما يرغب الناس في مخالطتهم والأنس بهم. وهذا مشاهد بالعيان، لا يحتاج في صدقه إلى برهان.
وليس المراد مما قدمناه إنكار مزية العلم والتعليم. حاشا لله فالعلم من أقوى دعائم المدنية، وأقوى أسباب الرقي في معارج الحضارة والعمران. وإنما القصد أن التربية والأخلاق ومعرفة الواجب، خير من العلم المجرد عن التهذيب والآداب والأخلاق الفاضلة، وهذا أمر لا ينكره عاقل، وما أحلاهما إذا اجتمعا في المرء.
ولذا , يقول الشيخ مصطفى الغلاييني في كتايه ( أريج الزهر ) : كم رأينا من شبان درسوا ما درسوا، واغترفوا من بحر العلوم ما اغترفوا، ولكنهم في فساد الأخلاق غارقون، وفي حمأة الشرور منغمسون، لا ينفعون الأمة والوطن .
ومن ثم فليس القصد من التربية أن تكون الألفة بين النوع الإنساني فقط، بل الأمر أعلى من ذلك وارفع، وأشرف وأنبل، فإن الغاية التي نقصد إليها، والضالة التي ننشدها، هي أن نوجد بواسطة التهذيب والتربية في نفوس النشء شعوراً لطيفاً، وعاطفة شفافة، يجبرانه على القيام بالواجب نحو الأمة والوطن والناس أجمعين. وذلك لا يكون إلا بتعويد الأحداث مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال منذ نشأتهم، وبذلك نكون قد خدمنا الوطن والإنسانية أجل خدمة تذكر فتشكر فتعويد الأحداث على العمل بالواجب منذ الصغر يربي في نفوسهم تلك العاطفة التي نريدها، وذلك الشعور الذي نطلبه.
فالتربية في الصغر كالنقش في الحجر.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية