كثير من الناس يتساءلون لماذا ينجذبون نحو قراءة الشعر أو الاستماع اليه وأنه رغم مرور الأزمنة ، لم يندثر هذا اللون من الفن الراقي، والحقيقة لكونه يعبر على ما بداخل الإنسان من مشاعر وأحاسيس جياشة سواء حزينة أو سعيدة.
فالمشاعر التي لا تستطيع التعبير عنها، تجد ملاذك في أبيات الشعر التي تقرأها أو تسمعها، فهو الأواني التي تحمل المعاني، وكلما كانت الأواني أجمل توصل المعاني بطريقة أسهل وأمتع ،
فالأديب المغربي الكبير عبد الله كنون ذكر في كتابه "من شعر الفقهاء" أبياتا للشعر أبى بكر الشبلي من زهاد القرن الرابع الهجري، الذي بكى على بكاء الحمام والغربة، فأنشد قائلا:
رب ورقاء هتوف في الضحى ..ذات شجو صدحت في فنن
ذكرت إلفاً ودهراً صالحاً ..فبكت حزناً وهاجت حزني
فبكائي ربما أرقها.. وبكاها ربما أرقني
ولقد تشكو فما أفهمها .. ولقد أشكو فما تفهمني
غير أني بالجوى أعرفها .. وهي أيضا بالجوى تعرفني
أتراها بالبكا مولعة .. أم سقاها البين ما جرعني
وهذه الأبيات سلط الضوء عليها الإمام الغزالي والإمام بن تيمية ، فعلماء الأمة كانوا لا يمرون على أبيات الشعر مرور الكرام ، وإنما يتناولها بالدراسة والتحليل التفصيلي، لكونها معبرة عن قضايا واقعية.
وفى شعر "نزار قباني" قال قصيدته التي حملت عنوان" في مدخل الحمراء" عندما كان في زيارة للأندلس وتحديد في قصر غرناطة أنشد يقول:
في مدخلِ الحمراءِ كانَ لقاؤنا
ما أطـيبَ اللقْيا بلا ميعادِ
عينانِ سوداوانِ في حَجَريهما تتوالـدُ الأبعادُ مـنْ أبعـادِ
هل أنتِ إسبانيةٌ؟
ساءلتُها قالتْ: وفي غـرناطةٍ ميلادي
ومن الشعر الرومانسي إلى الديني للشاعر "أبو نواس" بغض النظر عن شخصيته وأنه كان رجل سكير وأعلن توبته قبل الممات ، حيث أنشد يقول:
خَلَقْتَ الـجَمالَ لنا فتنةً
وقلتَ لنا: يا عبادي اتَّقونْ
وأنتَ جميلٌ تحبُّ الـجَمال
فكيفَ عبادُكَ لا يَعشقونْ!
وأنهي مقالي هذا بأبيات شعرية للإمام الشافعي إذ يقول:
سأترك حبكم من غير بغض ٍ _ وذاك لكثرة الشركاء فيه
وأترك ماءكــم من غــير ورد _ و ذاك لكـثرة الــورّاد فيــه
واذا سقط الذباب على طعام ٍ _ رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجـتـنب الأسود ورد مـاء ٍ_ إذا كان الكلاب ولغن فيه
إذا شرب الأسد من خلف كلب ٍ _ فذاك الأسد لا خيــر فـيـه
ويرتجع الكريم خميص بطن ٍ _ ولا يرضى مساهمه السفيه
من هنا فالشعر هو غذاء الروح ، كما أن غذاء العقل القراءة ، وللناس فيما يعشقون من الشعر مذاهب ، هذا يعاني الغربة ، وذلك عاشق ، وآخر يداوي جراح الفراق بأبيات من شعر الهمذاني.
أ. عبدالعزيز بن رازن CIARS