* وأي ضحكٍ هو: مِن (فايروس كورونا) أم عليه..؟
* إذا كان الضحك في مفهومه العام؛ مبعثه الغبطة والسرور والفرح؛ فهل الأمراض والأوبئة التي تصيب الناس وتجتاح البشرية؛ تدعو لمثل هذا الضحك..؟ أم حقها البكاء والدموع، لما تسببه من آلام وأحزان وفواجع..؟
* يرى علماء النفس؛ أن الضحك وسيلة للتعبير عن السرور والحبور، وهو رد فعل طبيعي للإنسان على العديد من المواقف المضحكة، أو هو وسيلة للدفاع عن النفس ضد المواقف العفوية، ثم يرون أنه من أكثر وسائل التواصل البشري فعالية، وأنّ له العديد من الفوائد على جسم الإنسان، فعندما يضحك الإنسان؛ تتحرك 17 عضلة في الوجه، و80 عضلة في الجسم بأكمله، وتزداد سرعة التنفس.
* من المهم أن نعرف؛ أن الضحك لا يتوقف على حالات السرور والفرح، فهناك حالات فرح عارمة؛ تنتهي بالبكاء، ذلك أن (الضحك العميق يجلب الدموع)، كما جاء في الأمثال اللاتينية، وقد عبّر عن هذه الحالة الشاعر العربي بقوله:
هجم السرور عليّ حتى أنهُ
من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين قد صار الدمع منك سجية
تبكين من فرح ومن أحزان
* وفي المقابل؛ فإن بعض البكاء لا يتوقف هو الآخر عند حد الأحزان والآلام؛ فكم من بكاء حارق؛ تحول إلى ضحك خارق، من النوع الذي قال عنه المتنبيء: (ولكنه ضحك كالبكاء)، وهذا جسده شاعر آخر بقوله:
لعل انحدار الدمع يُعقب راحة
من الوجد، أو يشفي نجيّ البلابل
* أصبحنا وأمسينا في مواجهات، وليس مواجهة واحدة. نواجه بها (فايروس كورونا)، ونواجه معها نواتج وتوابع (فايروس كورونا). وما أكثرها، ومنها ما نتلقاه يوميًّا وساعيًّا؛ من أدبيات ومدونات (كورونية)، مقروءة ومسموعة ومرئية. أكثر هذا الكم الطاريء؛ مما يدخل في دائرة (الكوميديا السوداء)، الذي يعكس بكل جلاء؛ الآثار النفسية لهذا الوباء على الأنفس البشرية. إن الضحك مِن أو على موقف ما في حياة الناس؛ هو سلوك طبيعي، ومع أن الأشياء التي تَبعث على الضحك، ليست مُسلية دائمًا، فخيباتُنا تتنكر أحيانًا في هيئة نُكتة، ومع ذلك؛ يظل الضحك ضرورة حياتية. قال كانت ذات يوم: (ثلاث يساعدن على تحمل مشقات الحياة: الأمل، والنوم، والضحك). والجنس البشري- كما قال مارك توين- يملك سلاحاً فعّالاً وحيداً هو الضحك. وهو دواء رخيص عند بايرون: (اِضحك كلما استطعت، فهذا دواء رخيص).
* من الواضح أن الكثير من المواقف الكوميدية (الكورونية) التي ترشح هنا وهناك من كثير من الناس؛ تأتي وليدة صدفة، وتعكس ثقافة أصحابها، وتأتي مصطنعة، وتعكس لطافة وظرافة صانعيها، وكلها تتجه للتخفيف من الأزمة النفسية التي يعيشها الكل. وهي تدخل في باب: (شر البلية ما يضحك) كما يقولون. أحيانًا.. يكون الضحك نافذة لتمرير أشياء لا علاقة لها بالمرح والدعابات: الألم مثلًا، والصدمة، والحرج، والدهشة، والانبهار، والسخرية السوداء، والحقائق التي تأتي متأخرة على الدوام.
* ظهر مواطن يمني على سليقته وسجيته يقول: نحن لا نصاب بكورونا ولا نعرفه، لأننا لا نعرف الفنادق ولا نسكنها..! ودوّن وزير الصحة الحوثي؛ يحض الكل على معالجة الأوبئة وكورونا بقراءة ومعرفة سيرة حسين الحوثي..! وخطب رئيس دولة زامبيا؛ رافضًا قفل الكنائس والمعابد، مدعيًا أن (فايروس كورونا) لا يدخلها..! وشوهد معمّم في مدينة إيرانية؛ يزور مرضى (كورونا) في مشفاهم، وهو يشممهم عطرًا قال بأنه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يشفي من (كورونا) فورًا، فلم يخرج من المستشفى إلا وقد مات الشاب محسن شريفي بعد شمه للعطر..! وظهر أناس آخرون يدعون كل الإيرانيين والإيطاليين المصابين بـ(فايروس كورونا)؛ لدخول مرقد الإمام موسى الكاظم، ليخرجوا منه متعافين من المرض..!
* كثير من الضحك الذي هو كالبكاء في بعضه؛ تتركه مدونات عربية من كل قطر. فهناك مدون مغربي؛ اقترح التغزل في البنات مع (كورونا)، فكتب يقول بالدارجة المغربية : (الزِّين بالكِمامة.. والمِشية كِيف الحِمامة… زِينك كورونا.. وبِغاو يفرقونا)..! وكتب مواطن مغربي آخر يقول: (اللِّي مراتو مبرزطاه؛ يتصل بوزارة الصحة، ويبلغ عن اشتباه بحالة كورونا.. مدة الحجز 14 يوماً)..!
* وفي موقف طريف آخر؛ لجأ الشاب الشاعر (عادل بن حميد السالمي- عزّ الرهيد)؛ إلى صورة قِطّ أربد يغطيه الغبار، في شارع خالٍ من البشر ومن الحياة، فاستدعى قصيدة شهيرة لشاعر الطائف الشهير: (بديوي الوقداني ت 1296هـ)، مبتداها: (الاوله يالله ياللي على الامه رقيب)، وهي التي تُغنى في الملاعب والمجرور إلى اليوم، فحرّف فيها وصرّف؛ على لسان القِط الحزين ضحية الحجر بسبب (فايروس كورونا)، الذي أبقاه وحيدًا دون ونيس أو جليس، ولا حتى من قِطة من جنسه، ولكن القِط عنيد وصبور متفائل. قال عادل على لسان القِط:
الأوله يالله ياللي على الحارة رقيبي..
ياماحي الفايروس تمحي الغبار اللي عليّه..
تكتبلي الخيرة ليا امسيت في الشارع غريبي..
مالي مهرج كود بعض القطاوه العابريه..
بعض العرب يفرح ليا قالوا قطيوي صويبي..
وأنا أحمد الله يوم هاك البلا ما حل فيّه..
ياسرع ماراح الحظر والعفو يصبح قريبي..
ونشوف من يصبر ومن يتجه للصيدليه..