إنا نعلم كثيراً لديهم من الأموال ما لا يعلم عدده إلا الله، ولكن لا نرى في أنفسنا ميلاً إليهم، بل هم محتقرون في أعيننا. مرذولون في كل نادٍ وجدوا فيه. وما ذلك لأنهم يبذلون الجهد لاكتساب المال من كل مصدر، ولو أضر ذلك بدولتهم وأمتهم، لأنهم لا يعلمون إلا ما يفيدهم ليس إلا.
ومع ذلك فلو طلبت من أحدهم إعانة تفيد الوطن علا وجهه الاحمرار أو الاصفرار أو الاخضرار، إلى غير ذلك من الألوان، ثم هو لا يعطيك، إن أحرجته وأخجلته، فلا يقوم للبذل إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. وإن مد يده للإعطاء فيمدها مرتجفة كأنها شلاء.
على أنه إن وجد سبيلاً لإنفاقها في غير وجهها المشروع، تراه أسرع إلى بذلها من الماء في المنحدر، أو السهم إلى هدف، يتهلل بذلك فرحاً مسروراً.
من كان على تلك الشاكلة فهو ممن أضاع الشرف للسعي وراء اللذة الوهمية والمنفعة الخاصة. وما أجدر من كان كذلك أن لا يكون له حظ من الكرامة ولا نصيب من الاحترام.
الناس في هذا العالم أقسام شتى، وأنواع متباينة. مختلفة أطوارهم، غير متفقة آراؤهم. وحمل الناس على السير في مذهب واحد، وإجبارهم على الاتفاق في رأي ما ضرب من المحال.
فمن الناس من يميل إلى أمر فيه رفعة قدره وخيره الحقيقي. ومنهم من يقدم على اقتراف شيء فيه ربح مادي، غير أنه يسقطه من الهيئة الاجتماعية، ويلبسه ثوب الخزي والعار، وهو لا ينظر إلى الشرف وعزة النفس، إن كان في ضدهما كسب المال، ولو مما هب ودب.
فلو أردت أن تحمل مثل هذا الرجل على ترك هذه الخطة، وتجبره على سلوك الطريقة المثلى – ولو أضرت ببعض ربحه المادي – لنظر إليك شزرا، وربما رماك بما يغيظك من الكلمات.
فأجدر بمثل هذا الإنسان أن ينبذ ظهرياً، وأن يسقط من الجامعة الإنسانية. إذ الإنسان بأخلاقه الفاضلة، وصفاته الكاملة. لا بأمواله الوافرة، ووجاهته العظيمة.
على ذلك درج الرجال العظام، وفي تلك السبيل القويمة مشى العقلاء المفكرون لهذا نرى أسماءهم تذكر العظمة والاجلال حليفان لها. أما من خالف هذا المبدأ الشريف، فحدث ولا حرج عما يناله من السخط العام والاستهزاء به متى ذكر أو خطر على بال أحد.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية