إن كل نظام لتقديم الخدمات الصحية يمكن أن يكون نظامًا فريدًا إذا كان قد تأسس على مدى السنوات الطويلة، ومع أنه توجد بلاد ليس بها أنظمة صحية بالشكل المتعارف عليه، إلا أن جميع الأنظمة لها جذور عقائدية وثقافية وحضارية.
يقول جون فراي: لا يمكن فصل الرعاية الصحية الأولية عن الأحوال الاقتصادية والسياسية للمجتمعات، بغض النظر عن النظام الصحي القائم.
والنظام الصحي في أي دولة هو جزء من نظام الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وتشمل هذه الخدمات العامة فيما تشمل توفير فرص العمل والإسكان، وتوفير الغذاء والمياه النظيفة، وإصحاح البيئة والتعليم والمواصلات، والخدمات الخاصة لذوي الحاجات، والتقسيم العادل للثروات والموارد في البلاد.
وبنظرة فاحصة لاقتصاديات الصحة نجد أن الخدمات الصحية تكلف كثيرًا، ولا بد من تحديد كيفية مناسبة لسداد هذه التكلفة، ففي البلاد المتقدمة ينفق حوالي 510% من الدخل الوطني على الخدمات الصحية، وفي البلاد الصناعية ينفق ما بين 510% من ميزانية الصحة على الرعاية الصحية الأوليَّة، بغض النظر عن النظام الصحي القائم.
ومن المعلوم أن هناك صلة مباشرة بين الثروة الوطنية والإنفاق على الصحة؛ إذ كلما ازدادت الدولة ثراءً، زاد الإنفاق على الصحة.
ففي دول الشمال الغني وصل متوسط الإنفاق على صحة الفرد في سنة واحدة إلى 2200 دولار، بينما بلغ متوسط الإنفاق على صحة الفرد في دول الجنوب الفقير 4 دولارات سنويًّا وفي بعضها لم يزد معدَّل الإنفاق عن 12 دولار على جميع أوجه الرعاية الصحية للفرد خلال السنة.
وللأسف نجد أن كثيرًا من دول الجنوب استوردت وطبقت الخدمات الصحية كما هي في دول الشمال، والنتيجة أن أصبحت الخدمات الصحية علاجية ومرتكزة علي الطبيب والمستشفى، وفي حالات كثيرة تكون مقصورة علي الميسورين، والذين يعيشون في المدن.
وقد حاولت اليونسيف في السنوات الماضية أن تحدد مقاييس لأولويات الصحة،
من مثل:
1- التطعيم (Immunization).
2- الرضاعة الطبيعية (Breast Feeding).
3- جداول نمو الأطفال والغذاء الجيد (Growth Charts).
وقد أظهرت دراسات في عدة دول أن هناك علاقة بين معدل وفيات الأطفال، وتغذية الأطفال الرُّضَّع، وتنظيم الأسرة، وتعليم الأمَّهات.
يقول ديفيد مورلي: سوف يموت في كوكبنا هذا في كل سنة حوالي 15 مليون طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وعلى الأقل 95 : 97% من هذه الوفيات ستكون في الدول النامية في جنوب الكرة الأرضية.
ويمكن أن يعزى القليل من وفيات الأطفال إلى أمراض المناطق الحارة، أما الأسباب الرئيسة، فتعود إلى سوء التغذية، والأمراض المعدية، والنقص في الموارد الأساسية.
إن كبرى المشكلات في العالم هي سوء توزيع الموارد، وعلى الرغم من أن ثلاثة أرباع سكان العالم يعيشون في الدول النامية، فإنهم لا يتمتعون إلا بأقل من ثلث موارد العالم، وفي حالات كثيرة أقل من هذه النسبة، ليس هذا فحسب، بل إن الدلائل تشير إلى أن الموارد المتاحة للفرد في عالمنا هذا قد تدنَّتْ.
إن اهتمام الحكومات بالخدمات الصحية ودعمها أمر حتمي.
وجدير بالذكر فإن هناك أربعة مستويات من العناية الصحية هي:
1- العناية الذاتية.
2- الرعاية الصحية الأولية.
3- الرعاية المتخصصة العامة.
4- الرعاية المتخصصة تخصُّصًا دقيقًا.
ولابد أن يكون لكل مستوًى من المستويات الأربعة دور مدعوم بالإمكانات والتنظيم والإدارة الجيدة، والتعليم والتدريب، ثم الإشراف المستمر.
وهناك بعض الحقائق الاقتصادية المتعلقة بتقديم الخدمات الصحية التي ينبغي الإشارة إليها، ومنها:
أ- أن التكلفة المتصاعدة للخدمات الصحية وصلت حدودًا باهظة لا نهاية لها.
ب- أن تطلعات الناس للخدمات وتطلعات الأطباء لمزيد من التقنية تفوق بكثير الاحتياجات الحقيقية، وتفوق الموارد المتوفرة.
ج- أن التحدي الحقيقي هو كيف يمكننا تحقيق العائد الأقصى أو الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة.
د- أنه من الصعب توفير الصحة أو الخدمات الصحية بنفس المستوى لجميع
الناس.
هـ- أنه لا بد من إيجاد البواعث والضوابط للمجتمعات ولأفراد المهنة الطبية؛ للتعامل في حدود الموارد المتاحة، وأن من الحقائق الثابتة أن الموارد المتاحة في أي بلد محدودة من حيث المال والأجهزة والكوادر المناسبة، وكما تمت الإشارة من قبل، فإن التطلعات والرغبات دائمًا تفوق الاحتياجات الحقيقية والموارد المتاحة.
لقد ارتفع الوعي الصحي بارتفاع مستوى التعليم عند الناس، ومن خلال أجهزة الإعلام، ولا بد أن يستمر هذا الوعي وهذه الصحوة، ولن تعود مهنة الطب جمعية سرية مقفولة كما كانت في الماضي.
إن علي الأطباء وأفراد الفريق الصحي العمل على إيجاد الوسائل لتحسين الصلة بأفراد المجتمع.
إذ لا غنى للمجتمعات عن المشاركة في اتخاذ القرارات؛ لتحقيق الحياة الصحية لأفرادها، وربما تعني هذه المشاركة تحمُّل المسؤوليات والقيادة، ووضع الأولويَّات، وضمان العائد من المصروفات، والاستفادة من النفقات.
أن الفرصة الآن مواتية لأن تأخذ الصحة واقتصادياتها موضعها اللائق بها.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التعليقات 1
1 pings
محمد الشيخلي
30/03/2020 في 4:01 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خيرا دكتور زيد ، كما تفضلت الدول لا تستطيع توفير الخدمات الصحية لكل افرادها، لكن الافراد اذا حافظوا على ابسط مسائل النظافة في الحياة والالتزام بالتعليمات الصحية تكون المجتمعات قد وفرت على الدولة نسبة من ميزانيتها تجاه الصحة ومعالجة الامراض الناتجة بعضها عن سوء الاهتمام بالجسد والبيئة المحيطة بالسكن.
(0)
(0)