تتأهب جميع دول العالم اليوم وتقف صفا واحدا لمواجهة تفشي فيروس كورونا الذي أعلن إطلاق شرارته الأولى من مدينة ووهان الصينية حيث لم يكتف بالفتك بضحاياه هناك وانما عبر الحدود الصينية واستمر في التوسع وبائيا ليصل بعد ذلك الى دول أخرى مجاورة مرورا بدول شرق آسيا في كوريا الجنوبية واليابان ثم الزحف غربا صوب القارة العجوز متوغلا في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكذلك اسبانيا التي امتد منها شمالا باتجاه أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية. وقبل انتشاره غربا كان الفيروس قد وصل إيران التي ساهمت بدورها في تصدير الفيروس – كما هي عادتها في تصدير الثورات الخمينية - ليصل البلاء الى جميع الدول الخليجية والعربية.
لم يتوقف الفيروس عند هذا الحد بل امتدت خارطة كورونا لتشمل مناطق واسعة من القارة السمراء التي لم تلبث أن استردت عافيتها من وباء ايبولا Ebolavirus 2013-2015 حتى عادت مجددا للصراع مع فيروس كورونا Coronavirus. وبسبب خطورة هذا الفيروس المتمثلة في قدرته على المراوغة وسرعة الانتقال من شخص لآخر لضمان استمرارية وجوده كلاعب رئيس وخطير في ملايين الخلايا البشرية، نلاحظ أنه وللمرة الأولى في التاريخ أن يحدث تحالف جميع دول العالم ضد هذا العدو غير المرئي، في حين نعلم أن كل دول العالم أخفقت مراراً وتكراراً ولا زالت غير قادرة على الوقوف صفّا واحداً أمام أعداء مرئيين على الأرض.
فالعالم الذي اتحد اليوم في مواجهة كورونا هو ذاته العالم الذي يهدّد البشرية بأسلحة الدمار الشامل ويغزو الفضاء، ويسعى للسيطرة على العالم من خلال اجراء التجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية التي تحمل في رؤوسها ملايين الفيروسات القاتلة. نعلم أن هناك مجتمعات تعيش على كوكب الأرض لم تنل بعد حقها في حياة كريمة وسعيدة. فلا يتوفر لهم تعليم جيد ولا غذاء ولا دواء لكثير من الأوبئة التي تتفشى وتفتك بالفقراء والنازحين من بلدانهم حيث مزقتها الدول الكبرى الطامعة في موارد وثروات بلدانهم. وفي حين تتبادل الصين وإيران وأمريكا الاتهامات بنشر الفيروس، فاني أتساءل حول عدم تقديم العالم حتى الآن تفسيراً علمياً دقيقاً لسبب نشوء فيروس كوروناCOVID-19 ، ولماذا لم يستبعد العلماء في الدول النووية أي علاقة مباشرة لفيروس كورونا بإجراء تجارب نووية صاروخية أو بحدوث تسرب في المفاعلات النووية كما حدث سابقا في محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في 26 أبريل نيسان من عام 1986!
وبسبب قدرته على التسلل والنفاذ من خلال الانزيمات الموجودة على خلايا الرئتين, ثم مهاجمة وشل أجهزة المناعة البشرية في جسم الانسان لاسيما عند البالغين وكبار السن، فقد تعطّلت تبعاً لذلك كل اشكال النشاط الإنساني في مواقع الإنتاج ومنارات العلم والمعرفة، وبالتالي حدوث تباطؤ شديد في عجلة التنمية الاقتصادية كنتيجة حتمية لإغلاق المصانع والمدارس والمنافذ البرية وجميع خطوط الاتصال والامداد والإنتاج في معظم دول العالم ما أدى الى تكبد الاقتصاد العالمي خسائر مالية ضحمة تقدّر بمئات المليارات من الدولارات جرّاء هبوط أسواق المال والاقتصاد وانخفاض سعر برميل النفط.
لقد ساهمت كل هذه العوامل الاقتصادية والمؤشرات السوقية السلبية في رفع مستوى الخوف لدى شريحة كبيرة من المستهلكين والمنتجين الى الحد الذي يتوقع خبراء اقتصاديون أن يمر العالم بحالة انكماش اقتصادي عالمي ينذر بانهيار واسع للنظام المالي العالمي ويهدد بإفلاس الأفراد والشركات والحكومات. وحينما يكون هذا الوباء خارج سيطرة العقل البشري لا سمح الله، فانه من المتوقع أن تعاني أمريكا من أزمة دين عظيمة تبتلع اقتصاديات الدول الأخرى في الدوامة وتخرب النظام المالي العالمي.
وفي الجانب الآخر من هذا المشهد العالمي حيث يقاوم البعض بحذر ويسقط آخرون في المعركة أمام شبح كورونا الارهابي, فقد شاهدنا تحركات مرتبكة ومذعورة على الصعيدين الرسمي والشعبي في محاولات لاحتواء مخاطر فيروس كورونا الأمر الذي دفع الحكومات والمنظمات الصحية لأن تبذل جهودا حثيثة لتطويق الأزمة وتقييد حركة الفيروس من خلال اتخاذ حزمة إجراءات وقائية للحد من انتشار العدوى وسط مخاوف وحالات ذعر وتخبط بشري مشوب بالخوف والحذر من وصول الفيروس عبر الاختلاط المباشر الأمر الذي اضطرت معه بعض الحكومات الى فرض حظر التجول ومطالبة الناس بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج الا للضرورة القصوى.
من جهة أخرى دعت منظمة الصحة العالمية المجتمع الدولي الى اتباع إجراءات مكثفة لتقليل الأعداد المتزايدة للإصابات والوفيات والحد من انتقال العدوى لدول أخرى. وفي خضم هذه الجهود يسعى علماء في مراكز الأبحاث الطبية للبحث عن لقاح مضاد للفيروس. وكانت شركة أدوية المانية قد أعلنت وفقا لمصادر إعلامية أنها توصلت الى لقاح فعّال غير أن هذا اللقاح ما يزال في مرحلة التجارب السريرية. وفي اتصال أجرته معه قناة العربية قال الدكتور على الشيخ، استشاري الصحة العامة في مدينة مرسيليا الفرنسية نقلا عن مدير المعهد المتوسطي لمكافحة الأمراض المعدية أن طبيبا فرنسيا يدعى ديديه راؤول قد تمكن من تطوير لقاح للملاريا قال إنه أثبت قدرته على شفاء ثلاثة أرباع المصابين بفيروس كورونا لكنه استبعد أن يكون هذا اللقاح متوفرا للاستخدام قبل بضعة أسابيع أو بضعة أشهر على الأكثر الى حين التأكد التام من نتائج هذا المصل.
وختاما أقول من خلال هذا المنبر الصحفي أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله قد بذلت جهودا كبيرة وسخرت كل إمكاناتها الطبية وكوادرها الأمنية في التوقيت المناسب استشعارا منها لأهمية العنصر البشري والمحافظة عليه. وقد اتخذت الدولة السعودية الإجراءات الضرورية اللازمة لكبح جماح هذا الوباء العابر للقارات من خلال آلية عمل محددة ومن خلال التنسيق بين كل الجهات الحكومية المعنية فيما يتعلق بنشر التوعية الصحية اللازمة لاتباع تدابير وقائية احترازية أعلنت عنها وزارة الصحة السعودية بهدف حماية المواطنين والمقيمين على أرض المملكة. كما بادرت الحكومة السعودية باتخاذ سلسلة من القرارات الحازمة التي تضمن عدم تفشي الفيروس على نطاق أوسع، فأغلقت الحرمين الشريفين وعلّقت العمرة مؤقتا، كما أعلنت عن وقف الصلوات في المساجد ودعت أفراد المجتمع للالتزام بهذه الإجراءات الاحترازية لحين زوال الخطر بإذن الله تعالى.