يقول النووي رحمه الله : يستحب لـمن هَمّ بأمر أن يشاور فيه. ثم عليه عند الاستشارة وظائف، منها:
الأولى: أن يصدق في التعريف بقصده، من الأمر المستشار فيه، بحيث لا يترك شيئاً مما يعلم فيه من مصلحة أو مفسدة. في الأفلاطونيات: إذا شاورت مَنْ يضطلع بالمشورة عليك، فاصدقه عنك فيها، وفي كثير مما يتحرك إليه طباعك، ليقف من صدقك، على ما يوجبه الحق فيها. واعلم أن مغادرة المشير عليك في الرأي، بمقدار ما خلفته عنك من الصدق.
الثانية: أن لا يلتمس الرخصة من المستشار، مخافة الزلل بمخالطة الهوى في ذلك. جاء في الحكم الهندية: إنَّ مَنْ التمس من الإخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل وزراً.
الثالثة: أن يستكثر من المشاورين، ما أمكنه استظهاراً على الوثوق بالرأي المشار به عليه. قال النووي: ويستحب أن يشاور جماعة ويستكثر منهم.
الرابعة: أن يتواضع للمستشار معه، ولا يترفع عن التنزل له في استهداء ما يشير مما يظهر له صوابه.
وأما ما يطالب به المستشير بعد المشورة فلذلك جملة وظائف ، منها:
الأولى: القبول . قال النووي: وهو فائدة المشاورة إذا لم تظهر المفسدة فيما أشار به المستشار. قال ابن الأزرق: ولا عليه من ظهورها بعد ذلك، إذ بعد جهدك لا تلام. وقديماً كان يقال: مَنْ اجتهد رأيه وشاور صديقه، فقد قضى ما عليه.
الثانية: الإعراض عن ملام المستشار عند ظهور خطأه. قالوا: إذا أشار عليك أحد برأي، أفضى فيه إلى الغلط، وزلّ به عن الصواب، فلا تأخذنَّ في تأنيبه وتوبيخه، فإنَّ الآراء ربما خفيت وجوهها، وغابت أسبابها وليس كل الرأي مقطوعاً به، وإذا لمته على غلطه، مع صحة قصده، آذيته وقطعت غيره من النصحاء عن نصحك.
الثالثة: التأني بالفعل، ريثما تحصل الثقة بالرأي، وتصمِّم العزيمة عليه. قال أرسطو: إذا صحَّ الرأي مع المستشار، فلا تعجل انفاذه ولا تركه، واتركه يختمر يوماً وليلة، إلا فيما يخاف فواته، فاستخر الله تعالى وعجِّله. لذا قيل: الرأي الخمير خيرٌ من الرأي الفطير. وكان يقال: كل رأي لم تتمخض فيه الفكرة ليلة كاملة، فهو مولود لغير تمام. وفي محاسن البلاغة: في الروية تبيان الرأي، وفي تبيان الرأي نصح الاعتزام. وقيل: ولما كان أمضى السيوف ما بولغ في إرهاف حده، وإجادة صقله، كان أرجح الآراء ما كثر امتحانه وأطيل تأمله.
الرابعة: تقديم الاستخارة قبل العزم على إمضاء ما تمخضت عنه المشورة. قال ابن الحاج: الجمع بين الاستخارة والاستشارة من كمال الامتثال للسُّنة، إذ بركتهما ظاهرة، فينبغي ألا يقتصر على أحدهما، فإن كان لابد من الاقتصار فعلى الاستخارة. ومن كلام الحكماء: أربعة لا تستغني عن أربعة: الرعية عن السياسة، والجيش عن القادة، والرأي عن الاستشارة، والعزم عن الاستخارة.
الخامسة: ترك الالتفات بعد المشورة والاستخارة إلى ما يتخرص به على علم الغيب. وله أمثلة منها:
- التنجيم ، لقولـه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اقتبس علماً من النجوم، اقتبس شعبة من السحر) رواه أبوداود.
- التطير، لقولـه صلى الله عليه وسلم: (ليس منّا من تطيّر أو تُطيِّر لـه، أو تكهّن أو تُكهِّن لـه أو سحر أو سُحر لـه ومَنْ أتى كاهناً فصدّقه فيما يقول، فقد كفر بـما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البزاز. قال بعض العلماء: مُنع من ذلك، لأنه سبب لكسر النية ونقض العزيمة وتشويش الخاطر، مع ما فيه من تعطيل الإحالة على الأقدار السابقة، وإساءة الظنّ بالله تعالى وشغل القلب بـما لعلّه لا يحدث أبداً.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية