يقول الطرطوشي: الاستشارة هي مما تعده الحكماء من أساس المملكة، وقواعد السلطنة ويفتقر إليها الرئيس والمرؤوس.
ويقول ابن العربي: المشاورة أصل الدين وسُنة الله في العالمين.
وكان يقال: مَنْ أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً: مَنْ أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومَنْ أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومَنْ أعطي الاستخارة لم يمنع الخبرة ومَنْ أعطي المشورة لم يمنع الصواب.
وفي ذلك يقول بعض الحكماء: مَنْ استشار أهل العقول، أدرك المأمول.
وقالوا: لا عذر لأحد في ترك المشورة وإن كان من أهل العقل والرشاد وذوي الرأي والسداد، فإنَّ المشاور قد يكون له في بعض الأمر هوى ولبعض الوجوه ميل، فلربما جنح إلى هواه ومال إلى غرضه، والمشاور إنما يُعطي لُباب عقله، وصفوة رأيه، وخالص نظره.
قال الزهري: كان مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه مغتصاً من العلماء والقراء كهولاً وشباناً، فكان يقول: لا تمنع أحدكم حداثة سنه أن يشير برأيه، فإن الرأي ليس على حداثة السن ولا على قدمه، ولكنه أمر يضعه الله حيث يشاء.
يقول الماوردي في كتابه: (أدب الدنيا والدين): اعلم أنَّ من الحزم لكل ذي لُب، ألا يُبرم أمراً ولا يُمضي عزماً إلا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح، فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه صلى الله عليه وسلم مع ما تكفل به من إرشاده، ووعد به من تأييده.
إن أهمية الاستشارة في حياتنا تبرز في الآتي:
1) إتباع القرآن والسُنة، فقدوتنا صلى الله عليه وسلم أمره رب العزة والجلال بالاستشارة، بل لقد مدح عز وجل أولئك الذين كانوا يستشيرون في أمورهم، فنحن نتبع آثار مَنْ مضى، كم نرجو من الله القدير أن نؤجر ونثاب لامتثالنا أوامر الكريم التواب.
2) العبادة والطاعة لله، إذ الشورى أمر من عند الله عز وجل، جاء بها القرآن الكريم في آيات عديدة، وفي سور عدة، بل لقد سميت سورة منها بالشورى، كذا جاءت الأحاديث النبوية مفصِّلة وموضحة المنهج والأهداف والقواعد، فهي – إذن – ليست نتاج جهد بشري، إنها من عند الله عز وجل، فهي عبادة وطاعة.
3) استنباط الصواب، إذ كما يقال: من أكثر المشورة لم يعدم الصواب.
4) اكتساب الرأي، إذ في مشورة الآخرين ومحاورتهم وطلب رأيهم اكتساب آراء جديدة وإضافة خبرات عديدة توسع المدارك وتزيد الخبرة وتعمِّق الدربة.
5) التحصن من الخطأ، فعند الاطلاع على تجارب الآخرين نعرف وجه الصواب والخطأ فيما لم نجرِّب، وهذا هو معنى قول الحكيم لابنه: شاور مَنْ جرَّب الأمور.
6) الابتعاد عن الملام، إذ الملام أقرب للشخص الذي يعمل العمل باجتهاده وحده دون مشورة الآخرين، وهذا مصداق قول الأعرابي: ما غُبنت قط حتى يُغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.
7) النجاة من الندم، إتباعاً للمثل القائل: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة. فالتأني هنا هو المشاورة ومعرفة رأي الآخرين، أما العجلة فهي الاستبداد بالرأي وعدم المشاورة والتفكر في الأمر. وإذا جاءت الرياح بما لا يشتهي المرء شعر بالندم ووبّخ نفسه لعدم استشارة الآخرين.
8) تأليف القلوب، وهذا واضح في مدح الأنصار الذين كانوا يشاورون بعضهم، ليكونوا على قلب رجل واحد، بل لقد أمر الله نبيه بمشورة أصحابه تأليفاً لقلوبهم وتطييباً لنفوسهم، يقول عبد الملك بن مروان في ذلك لأن أخطئ وقد استشرت ، أحبُّ عندي من أن أصيب وقد استبددت برأيي.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية