كلنا – تقريبا – نملك حجماً متماثلاً من الدماغ، لدينا بشكل عام نفس المادة من الدماغ، وبالرغم من هذا التشابه نجد أنه يتقد دماغ شخص ما بالعبقرية والحيوية والسعادة والطاقة الفاعلة، بينما يتقد دماغ شخص ما بالمعاناة والضغط والتوتر والعدائية والغضب.
ما السر في ذلك ؟ ولماذا يتحول أداء العقل البشري الذي هو نعمة الإنسان العظمى وأكرم ما في جسده، وأكثر الأعضاء إعجازاً وتعقيداً، حتى يكون المسبب الرئيسي لتعاسة الإنسان وتدميره المعنوي !
إن العقل لا ينبغي أن يترك عمله للصدف ولتقلبات الحياة وتناقضاتها وأعبائها المختلفة، حتى يكون العقل مفيداً للإنسان لابد أن يحاط بسياج من القناعات والمبادئ ومن أكثرها أهمية (الرغبة الكاملة في السلام ) السلام ليس شيئاً ترفيهياً أو ثانوياً في حياة الفرد، بدون هذا المنطلق قد تصبح أشياء مثل العدائية والمصادمة والعجرفة والعزة بالإثم أموراً جاذبة ومغرية لمن يجعلون السلام في المكانة المتدنية من أولوياتهم .
وذلك هو الفقر الحقيقي الإنسان الفقير حقاً هو الإنسان الذي يعجز أن يعيش بسلام مع نفسه أو في بيته أو عمله أو مع جيرانه أو مجتمعه بشكل عام .
متى ما أصبح السلام بعيداً عن شروط أفكارنا فإن العقل سيجنح لكل ما يغذي الغضب والحسد والغرور والغيرة التافهة، ومتى ما كان السلام باباً كبيراً تنبثق منه احتياجاتنا واتجاهاتنا وسلوكنا صار العقل مكاناً آمناً للاستقرار والحب والسعادة.
إن هذا الأمر مترسخ في عقيدتنا الإسلامية، فربنا السلام، وتحيتنا السلام، ونبينا السلام يوجهنا ويقول " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " إنها رسالة واضحة ومعلنة للسلام وجديرة أن تكون أولوية ومفتاحا لكل عقل سليم، فعندما تعيش السلام والمحبة والصدق فإن القبح والعدائية والتعصب سوف تختفي من حياتك ، لا تجتمع الجنة والنار في عقل واحد.
إن البشرية اليوم تبدو بائسة جدا ً، إنها ما تزال تطلب السلام عوضاً أن يعطي الإنسان السلام لمن حوله صار يطلبه ويستجديه و يتسوله ، صار أمراً مطلوباً في الوقت الذي يفترض أن يكون شائعاً ومتوفراً وفائضاً على البشرية.
كل فرد اليوم ينبغي أن يكون رسالة سلام إنه يبدأ من الأعماق، وينمو في السكينة والعزلة والهدوء، الأماكن الصاخبة والفوضوية والاستعراضية أماكن لا يطيل السلام فيها المقام، كما أن المصادمة والأنانية والرياء والجدل طفيليات تتغذى عليه حتى تأتي على آخر نسمة منه .. وعندها تبدأ المعاناة الإنسانية في تجلياتها العنيفة والمضطربة.
ليس مهماً أن نطيل الحديث عن السلام وأن نسهب الشرح فيه ، المهم أن نعيشه وأن نتلذذ بسحابته فوق رؤوسنا في كل مكان نحياه.
همسة سلام : حتى مع نشوة الانتصارات تظل الحرب ورطة والسلام غنيمة.