عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: (أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أقرأ بالمعوِّذات دُبُر كل صلاة). أخرجه أبو داود(١٥٢٣) والترمذي(٢٩٠٣) والنسائي(١٣٣٦) وصححه الألباني في السنن. ولفظ الترمذي: (بالمعوِّذتين)، وجاء بلفظ- صيغة الأمر للجمع-: (اقرأوا المعوِّذات في دُبُر كل صلاة). الصحيحة(٦٤٥، ١٥١٤)، كما جاء بلفظ- صيغة الأمر للمفرد-: (اقرأِ المعوِّذات في دُبُر كل صلاة). صحيح الجامع(١١٥٩).
فيستحب للمصلِّي أن يقرأ في دُبُر الصلاة المكتوبة سورة الإخلاص والفلق والناس، وهي المعوِّذات، وأُطلِقَ عليها المعوِّذات تغليباً، فتُقرأ هذه السور مرةً واحدةً بعد كل صلاةٍ مفروضة كما دل عليه حديث عقبة المتقدم.
التعليق:
1⃣ لم يخص أحدٌ من المتقدمين- فيما أعلم- قراءة المعوِّذات ثلاث مراتٍ بعد صلاتي الفجر والمغرب، وكذا الحال في المتأخرين إلَّا من وهِم.
2⃣ بعد التتبع والاستقراء ومراجعة أهل العلم والاستئناس بقولهم؛ تبين أن تخصيص قراءة المعوِّذات ثلاثاً بعد صلاتي الفجر والمغرب لا أصل له.
3⃣ الذي دفعني لتقييد هذا الاستدراك؛ هو ما رأيته مسطوراً في تلك اللافتات المعلقة في المساجد، والتي لا يكاد يخلو منها مسجد، وفي جميعها تخصيص قراءة المعوِّذات ثلاثاً بعد صلاتي الفجر والمغرب.
4⃣ اعتمد هؤلاء الفضلاء فيما أثبتوه في هذه اللافتات على كلام من وهِمَ من أهل العلم المتأخرين، ونحن عيالٌ عليهم؛ ولكن جلَّ من لا يهِمُ ولا يسهو- سبحانه وتعالى- والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَع.
5⃣ لم أجد من المتأخرين من نبَّهَ لهذا- لعلهم لم يلحظوا هذا-؛ لكن عدم تخصيصهم لقراءة المعوِّذات ثلاثاً بعد صلاتي الفجر والمغرب؛ يُفهَمُ منه أنه مرةً واحدةً- بلا استثناء- بعد الفريضة، كما نصَّ عليه الحديث، وكما هو مقرَّرٌ في الأصول.
6⃣ بعض المتأخرين يُفهَمُ من كلامه تأكيد قراءة المعوِّذات مرةً واحدةً بعد المكتوبةِ بلا استثناء، وانظر في هذا: (أ) (منحة العلَّام في شرح بلوغ المرام لعبدالله الفوزان، ٣ / ١٩٨ - ١٩٩) وعبارته: "مرةً واحدة". ولم يستثن.
(ب) (الحِصنُ الواقي للسدحان، ص٦) وعبارته: "ثلاث مراتٍ صباحاً ومساءً، وقبل النوم، ومرةً بعد كل صلاة". ولم يستثن.
(ج) أمَّا المحقِّق: أشرف بن عبدالمقصود في تعليقه على تخصيص قراءة المعوِّذات ثلاثاً بعد صلاتي الفجر والمغرب؛ فهذه عبارته: "فقراءة هذه السور الثلاث من أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم". انظره في: (المحكم المتين في اختصار القول المبين في أخطاء المصلين، ومعه كيفية صلاة النبي- صلى الله عليه وسلم- لابن باز، ص٢٥). اختصره عبدالمقصود وأصله لمشهور آل سلمان.
قلتُ: وهي عبارةٌ أقلُّ أحوالِها أنها موهمة، وقد يُفْهَمُ منها أنها لا تُقرأُ بعد المكتوبة.
والعبارة الواضحةُ؛ هذه صيغتُها: "فقراءةُ هذه السور الثلاث ثلاث مراتٍ؛ من أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، ومرةً بعد كل صلاةٍ مكتوبة".
7⃣ وبناءً على ما تمَّ بيانه؛ فيُقتَصَرُ في هذه اللافتات على ذكر قراءة المعوِّذات مرةً واحدةً بعد كل صلاة مكتوبة، دون تخصيص قراءتها ثلاث مراتٍ بعد صلاتي الفجر والمغرب، حيث لا دليل على التخصيص.
والله تعالى أعلم.