قال لي وهو يدعوني لإخراج الذات عند الكتابة..
الم تسمع بمقولة "موت المؤلف"..
ودعاني للقراءة عنها..
إنه يدرك تماماً أنني دائماً ما أعبر عن قناعاتي في الأحداث التي تمر بي..
ربما وجد نفسه فيما أكتب، فأراد أن يبعدني عن المباشرة..
ربما لأنها تفقد النص قوته وجماله..
ربما أراد لي أن أرتقي بما أكتبه فأسبح في عوالم اللغة وفتونها عندما يتجرد النص من الأنا وهذه خلاصة ما تدعو إليه فكرة "موت المؤلف" التي راجت بين الكتاب والناقدين العرب مع رواج البنيوية وما بعدها، في الربع الأخير من القرن العشرين، وهي الصيحة التي أطلقها سنة 1968 الناقد والأكاديمي الفرنسي Roland Barthes رولان بارت ( 1915-1980).
والبنيوية باختصار مفهوم يتضمن دراسات مستمرة لتركيب "شبكات بنيوية" أو بنى اجتماعية أو لغوية أو عقلية عليا، لإنتاج المعنى من خلال شخص معين أو نظام معين أو ثقافة معينة. وقد بدأت كاختصاص أكاديمي أو مدرسة فلسفية حوالي ١٩٥٨ وبلغت ذروتها في الستينات والسبعينات.
ونظرة بارت للعمل الإبداعي وفقاً لفكرة (موت المؤلف) تنفي أن يكون النص تعبيراً عن تجربة وخبرة المؤلف في الحياة. وهذا كلام غريب يكرس النظرة العدمية للعملية الإبداعية ويؤدي إلى إقصاء ذات الفرد عن مركز الوجود الإنساني، وهي بذلك تنكر أي دور فاعل لها في التاريخ فتحل اللغة مكانها بحيث تصبح الذات هي نتاج اللغة وليست اللغة هي نتاج الذات ويتحول العالم وكل شيء إلى نص صنع نفسه.
وفِي مقالته "خرافة موت المؤلف" يقول عبد المنعم عجب الفيا: ومقولة (موت المؤلف) من المقولات النقدية التي لم نفهمها على حقيقتها ولعل ذلك من حسن حظنا. لقد فُهمت هذه المقولة عندنا في أحسن الأحوال على أن المقصود بها أن صلة المؤلف بنصه تنقطع في اللحظة التي يفرغ فيها من كتابة النص وأن المؤلف لا يجوز له أن يتحدث عن نصه وإن تحدث فلا يحق له أن يفرض رؤيته وتفسيره الخاص على عمله الأدبي وأنه على القاريء ألا يخلط بين النص وحياة المؤلف وأن يبحث عن معنى النص في داخله لا في سيرة المؤلف .
وربما نذهب بعيداً حين نحاول تجريد المؤلف من مما يكتب باعتبار ما كتبه هو نتاج تلاقح فكري لا يعبر بالضرورة عن فكر أو حقائق مستقلة وإنما هي تراكمات لقراءات وتأملات تمثل قناعات ورؤى في مرحلة زمنية قد تتغير بتغير الزمن.
قد تبدو فكرة موت المؤلف في هذا السياق منطقية، ولكن التجارب الثرية والنتاج الأدبي المتراكم سرعان ما يدفعنا لنسف كل تلك التبريرات التي سيقت في محاولة لإثبات فكرة "موت المؤلف" واعتبارها ضرب فلسفي يسعى إلى هدم الثوابت التي تثبت العلاقة القوية بين النص وكاتبه والتي تؤكدها أمثلة كثيرة منذ أن عرف الإنسان الفن والأدب في القصة والرواية بل وحتى في الشعر الذي من الصعب أن تفصل بينه وبين ذات قائله، وأجد ذلك جلياً في تجربتي الكتابية الطويلة، وكثيراً من الشعراء - برزت الأنا واضحة في كثير من قصائدهم فهذا المتنبي يعاتب سيف الدولة في كثير من أعماله الشعرية ويعبر عن نفسه بوضوح بقوله:
أنام ملء جفوني عن شواردها * ويسهر الخلق جراها ويختصم.
والمناسبات التي قيلت فيها كثير من الأبيات شاهد على خرافة موت المؤلف الذي سيبقى خالداً ما دام نصه محفوظا.