(استقبلنا ضيوف الرحمن، سهرنا على راحتهم وهم يؤدون مناسكهم، ودعناهم بدعوات القبول والعودة سالمين) ما بين القوسين لا يشعر بحجمه إلا قليل من المتلقين، وكثيرون يظنون أنها مجرد أعمال روتينية، وأن الأمر مجرد تعليمات وبروتوكولات مقولبة، ومانشيتات صحفية، ورسائل إعلامية تعوّد عليها عاما بعد عام.
كما يظن بعض الجاهلين أننا حين نفاخر ونباهي بخدمة الحرمين الشريفين نباهي للمباهاة فقط، وهذا ما جعل هذه المقالة تختار الأسلوب الإحصائي، والحديث بالأرقام فقط، وسأنحي عواطفي الوطنية الجياشة جانبا، فالأرقام تفي بالتعبير عنها، ولا يفوتني شكر الهيئة العامة للإحصاء، فكل المعلومات من موقعها الرسمي، وأنصح كل باحث ومهتم بزيارته.
آخر إحصائية معلنة أن حج هذا العام قارب 2 ونصف المليون حاج، بزيادة تجاوزت مئة ألف عن حج 1439هـ، جندت السعودية كل طاقاتها لاستقبالهم عبر 12 منفذا: 7 منافذ برية، و3 جوية ومنفذان بحريان، ناهيك عن مبادرة (طريق مكة) القائمة على مبدأ راحة الحاج، وإنهاء كافة إجراءاته من مطار المغادرة في بلده، بل وتتعدى ذلك إلى الطلب من سلطات بلاده سرعة إنهاء إجراءاته وتقليل مدة انتظاره في المطار.
تقدم السعودية خمس خدمات رئيسية في الحج، هي (خدمات الإشراف والمتابعة لأعمال الحج، خدمات الحج العامة، خدمات الحجاج الصحية، خدمات نقل الحجاج، خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات في مكة والمشاعر المقدسة) وقد جندت للأولى منها 6336 رجلا وامرأة، مهمتهم الإشراف والمتابعة الميدانية لكافة الخدمات المقدمة إلى الحاج.
الخدمة الرئيسية الثانية (الخدمة العامة للحج) تحتها أكثر من 200 خدمة رئيسية تقدم إلى الحجاج، ويبلغ عدد العاملين في هذه الخدمة 257763 موظفا وموظفة يعملون على مدار الساعة طول أيام الحج، من مختلف القطاعات، الأمن العام، والدفاع المدني، ومركز المعلومات الوطني، ووزارة الإعلام، والكشافة السعودية، ومعهد أبحاث الحج، وهيئة تطوير مكة، وأمانة العاصمة المقدسة، والحديث عن إحصاءات الآليات والأجهزة والمعدات يأخذ تفاصيلا كثيرة جدا.
أما إحصائيات إسكان الحجاج في مكة، فقد بلغ عدد المباني المخصصة لإسكان الحجاج 5020 مبنى، لا تشمل المخيمات والمباني في المشاعر المقدسة، (منى ومزدلفة وعرفات)، نسبة العمائر فيها 84% و الفنادق 15.1% والشقق 0.4%، طاقتها الاستيعابية تقارب 2 ونصف المليون حاج، أما في المدينة المنورة فإجمالي عدد المباني المخصصة لإسكان الحجاج 619 مبنى، كلها من العمائر، بطاقة استيعابية تكفي لقرابة 350 ألف حاج.
ومن الخدمات الرئيسية، الخدمات الصحية (المجانية)، ويبلغ إجمالي الفِرق الطبية والإسعافية في المشاعر المقدسة خلال فترة الحج أكثر من 1141 فريقًا طبيًّا وإسعافيًّا وميدانياً يقدمون خدماتهم لحجاج بيت الله الحرام، ويتجاوز عدد العاملين في هذه الخدمة بكافة تصنيفاتهم 27,797 فردًا، وتشغل وزارة الصحة 16 مستشفى عاملا داخل مكة والمشاعر، كما بلغ عدد المراكز الصحية 125 مركزًا مجهزًا بكافة الإمكانات الصحية والطبية والإسعافية، إضافة إلى 68 فِرقة ميدانية في المشاعر وداخل مكة وخارجها، ووفرت هيئة الهلال الأحمر السعودي 132 مركزًا إسعافيًّا دائمًا ومؤقتًا، و370 سيارة إسعاف، و20 درَّاجة، و تتولى الهيئة العامة للغذاء والدواء بطاقم يبلغ 300 موظَّفٍ مهامَ الرقابة على (الأغذية والأدوية والأجهزة والمنتجات الطبية) الواردة مع الحجاج وبعثات الحج، وتقديم الدعم للجهات الرقابية المعنية بالتفتيش على المنشآت الغذائية.
أما خدمات نقل الحجاج فقد بلغ عدد القوى العاملة فيه 38450 عاملا، وبلغ إجمالي الحافلات الناقلة للحجاج 17983 حافلة، فيما جاءت عدد الرحلات المجدولة عبر الحافلات من وإلى الحرم حوالي 2مليون ومئة ألف رحلة، وبلغ عدد رحلات قطار الحرمين ذهابا وإيابا يوميا عشر رحلات، وعدد الرحلات الدولية والداخلية المتوقعة لنقل الحجاج يقارب 15 ألف رحلة، ويبلغ عدد مكاتب البريد 61 مكتبا، وفي مجال خدمات الاتصالات والمعلومات فإن إجمالي العاملين في القطاع 7098 موظفا، و68 مكتبا، فيما بلغ عدد أبراج الاتصالات 13776، وعدد نقاط الوصول إلى الإنترنت 5400 نقطة.
كل تلك الخدمات يقدمها 350830 رجلا وامرأة يعملون في 47 جهة حكومية وخاصة، ويقدمون ما مجموعه 335 خدمة رئيسة لضيوف الرحمن، أما المتطوعون المسجلون فقد بلغ عددهم 5313 متطوعا، 41% منهم ذكور، و59% إناث، يتوزعون جميعهم على مجلات مختلفة، ففي مجال علاقات الحجاج 13%، والتوجيه والإرشاد 36% والترجمة 13% والمجال الصحي 13% والمجال الإعلامي 5% وخدمات كبار السن 20%.
ختاما، لا تظن أخي القارئ أن السعودية تكتفي بذلك، وتهدأ حتى موسم الحج القادم، بل هي في عمل دائب، فما تزال الخطط العملاقة تتشكل، والمشاريع الجبارة تنفذ بعد مغادرة ضيوف الرحمن، فعملنا في الحج ليس محدودا في زمانه، وكل أولئك العاملين ينفذون توجيهات (خادم الحرمين الشريفين) يحفظه الله، الذي يشدد على بذل أقصى طاقة ممكنة لخدمة ضيوف الرحمن، والسهر على أمنهم وراحتهم، بأعلى جودة، ويتشرف بتنفيذ أوامره السامية سمو وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، ومعه سمو أمير منطقة مكة المكرمة وسمو نائبه، وكافة المسؤولين والقطاعات، ولهم جميعا أعظم الشكر، وأصدق التهانئ على نجاح حج هذا العام 1440هـ.