ماذا يعرف الأطفال عن المال؟ كيف ومتى يدركونه ويكتسبون معناه؟ وما المحددات النفسية والاجتماعية التي تؤثر في إدراكهم له؟ هل يؤدي النمو العقلي المعرفي دوراً في هذا الإدراك، أم أن الأمر يرجع إلى بعض التغيرات الخاصة بالنوع أو العمر أو المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي أو تفاعل هذه المتغيرات كلها؟ هل هناك فروق بين الأطفال الذكور والإناث في إدراك المال؟ وما هي طبيعة تلك المدركات؟ وما حقيقة الدور الذي تؤديه الأفكار النمطية للأطفال عن المال في التشويه والمبالغة الإدراكية؟ وما الدلالة النفسية لمصروف الجيب وفائدته بالنسبة إلى البناء النفسي للطفل؟ ومتى وكيف ولماذا يدخر الأطفال أموالهم؟ وكيف ندرك – نحن الكبار – الأطفال بوصفهم ثروة ومالاً؟
يقول د . أكرم زيدان الخبير النفسي في كتابه ( سيكولوجية المال ) : على الرغم من أن علاقة الطفل بالمال هي بادئ الأمر علاقة لعب ولهو وتسلية أكثر منها علاقة جدية، فإن المال يمثل عدداً من الدلالات النفسية والاجتماعية التي تعمل على تمرين وتهيئة الطفل لكثير من الأنشطة والسلوكيات الموجودة لديه بالقوة أو الفعل، فعلى الرغم من بساطة تلك العلاقة فإنها علاقة وجدانية عميقة تتغير معها الكثير من السمات الشخصية للطفل، ويكتسب من خلالها كثيراً من القدرات، فتتسع خبرات الطفل ومدركاته بتعلم واكتساب مفاهيم مثل الإنفاق والتدبير والادخار والبيع والشراء والاستهلاك والثروة والغنى والفقر، فضلاً عن معرفة كثير من المعاني المجردة التي تتضمنها هذه السلوكيات، مثل معنى الاستقلالية والاعتماد على الذات والإحساس بالأمن.
وقد أجريت بعض الدراسات النفسية الخاصة بإدراك الأطفال للمال، وذلك لتحديد الدور الذي يؤديه المال في البناء النفسي للطفل. حيث يشير لنت إلى أن الدراسات النفسية الخاصة بإدراك الأطفال للمال هي دراسات قليلة جداً ومرت بثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: وفيها أجري القليل من الدراسات الوصفية التي أوضحت أن الأطفال لديهم بعض المفاهيم المالية الاقتصادية التي تنمو تدريجيا مع التقدم في العمر.
المرحلة الثانية: وفيها حاول الباحثون تحديد بعض المفاهيم المالية عند الأطفال وفقاً لنظرية بياجيه في النمو المعرفي.
المرحلة الثالثة: وفيها حاول الباحثون أن يوضحوا دور العوامل الاجتماعية في إدراك الطفل للمال.
ومن أوائل الباحثين الذين درسوا نمو وتطور المفاهيم المرتبطة بالمال عند الأطفال، شتراوس (1952)، وذلك في دراسة له بعنوان: ( تطور معنى المال لدى الأطفال ). وأوضحت نتائج الدراسة أن مفهوم الطفل عن المال يبدأ في الاعتقاد أن المال يستطيع أن يشتري كل شيء، وأن هذا الاعتقاد قد يستمر إلى مرحلة المراهقة.
وبعد ستة أعوام من دراسة شتراوس، جاء دانزغر في العام 1958، بدراسة تحت عنوان: ( مفاهيم الطفل الأولى عن العلاقات الاقتصادية ).
وفي دراسة لبوليو وجراي (1973) بعنوان: ( استراتيجيات تبديل النقود لدى الأطفال والمراهقين ) اتضح أن هناك علاقة ارتباطية بين العمر وإدراك الأطفال والمراهقين للمال.
وعادة ما يتعرف الأطفال على النقود عندما يشاهدون الآباء يتعاملون بها في سلوك الشراء والبيع، وعندما ينفقونها أو يحصلون عليها، لكنهم لا يدركون المعنى الحقيقي المجرد لها إلا في الطفولة المتأخرة.
وعلى الرغم من الدراسات التي أجريت عن إدراك الأطفال للمال في الفترة من الخمسينيات وحتى أواخر السبعينيات فقد أمدتنا بالكثير من المعلومات عن سيكولوجية المال والأطفال، ووضعت لنا إطاراً منهجياً في دراسة المال لديهم.
وبصفة عامة، تؤدي العوامل الثقافية والبيئية دوراً كبيراً في إدراك وفهم الجوانب المالية والاقتصادية، وهو ما يوضح لنا الفروق الفردية بين الأطفال في فهم بعض الجوانب المالية مثل: دوران المال من حيث الربح والخسارة والبيع والشراء.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية