يدور حالياً في الكويت جدل واسع بين مؤيد ومعارض حول مشروع "مدينة الحرير" وهو مشروع استثماري مشترك بين الكويت والصين , والذي سوف يتم إقامته على العديد من الجزر والبر الكويتي وبما يعادل ربع مساحة الكويت , المشروع يتضمن إقامة العديد من المصانع والفنادق والمصارف والشركات وناطحات السحاب ومراكز سياحية وترفيهية وميناء كبير وجسر عملاق وسكك حديدية وإقامة تجمعات سكانية ضخمة من مختلف الجنسيات تتسع لـ (700) ألف نسمة . الطرف المؤيد يبرر ذلك بأنه سوف يجعل من الكويت واجهة استثمارية عالمية (مالياً وتجارياً) , وأن هذه المناطق الحرة موجودة في الصين وأمريكا وغيرها . واتهموا من يعارض ذلك بأنهم طابور خامس وليذهب إلى الجحيم (خفافيش) ! طبعاً من يسوق لهذه المبررات لم يأخذ بعين الاعتبار الفارق الكبير في القوة بين الدول العظمى والدول الصغرى . أما الطرف المعارض فيحذر من المضي قدماً في المشروع لأنه بمثابة (دولة داخل دولة) , وأنه ينزع سيادة الدولة عنها لصالح الشركات الأجنبية , ويفرض على الدولة احترام عادات وتقاليد الأجانب بدلاُ من حصول العكس , بل أن النواحي الإدارية والأمنية من إختصاص الرئيس التنفيذي لمدينة الحرير (الأجنبي) وليس للدولة أي سلطة عليه . في أواخر التسعينيات من القرن الماضي قامت شبكة المتاجر البريطانية (سينسبري) بفتح أكثر من مائة فرع لها في مصر , قامت الشبكة بحرق الأسعار من خلال السيطرة على السوق , وشراء خطوط الإنتاج للعديد من المصانع في مصر , مما أدى إلى ضرب تجارة التجزئة في مصر بمقتل وهي التي تستوعب ثلثي الأيدي العاملة . الشعب المصري قاطع محلات سينسبري ولم تلبث أن انسحبت من السوق المصري . المحاكم المختلطة التي أقيمت في مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر واستمرت إلى منتصف القرن العشرين تقريباً , كان الأجانب وحتى المصريين اذا كانوا طرف في الصراع يخضعون لقوانين هذه المحاكم (القانون الفرنسي) بمعزل عن قوانين الدولة المصرية وسلطتها وأحكامها كانت نافذة , وبعد أن تم حل هذه المحاكم عام 1948م أخذ القضاء المصري بقوانينها وانحصرت قوانين الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية فقط . أعتقد أن "مدينة الحرير" مشروع إقتصادي واعد ولكن يطغى عليه الجانب السياسي وله علاقة بالأوضاع المضطربة في المنطقة , وهو يوفر للكويت نوع من الحماية من قبل دولة عظمى كالصين , في زمن أصبح فيه الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة وكل يحرك الآخر .