العصر الراهن لا تعوزه الأحداث المروعة والمثيرة للاشمئزاز،
ولكن استمرار حالة الجوع واسعة النطاق، في عالم يتوافر فيه قدر غير مسبوق من الرخاء، يعد من أسوأ تلك الأحداث.
المجاعات تدهم الكثير من البلدان بقسوة، مثيرة ( شراسة تفوق ضراوة الغضب عشر مرات، ورعباً كأنه الجحيم ).
زد على هذا أن الجوع الشامل المتوطن يتسبب في بؤس عظيم ترزح تحته أنحاء كثيرة من العالم يصيب بالوهن الملايين، ويقتل أعدادا غفيرة منهم بانتظام تثبته الإحصاءات.
وإن هذا الجوع المستشري أكثر من مأساة أو تراجيديا هو طريقتنا في قبوله والتسامح معه وكأنه جزء من طبيعة العالم الحديث.
ومن ثم، فهل المنتج الغذائي العالمي يتناقص قياسا إلى تعداد السكان في العالم، وكأننا نرى ( سباقا ) بين الاثنين؟ إن الخوف من أن هذا بالتحديد هو ما يحدث، أو وشيك الوقوع، بدا راسخا على الرغم من عدم توافر دليل قوي نسبيا يؤكده.
إذ واضح أنه لا توجد أزمة كبرى في إنتاج الغذاء العالمي في وقتنا الراهن. وطبعي أن معدل التوسع في إنتاج الغذاء يتغير ويتفاوت مع الزمن ولكن الاتجاه العام اتجاه صاعد.
ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن تلك الزيادة في إنتاج الغذاء العالمي حدثت على الرغم من الاتجاه الحاد في هبوط الأسعار العالمية للغذاء من حيث القيمة الحقيقية.
ونحن لا نستطيع، في سياق تحليل اقتصادي للوضع الراهن، أن نغفل الأثر السلبي لانخفاض الأسعار العالمية للغذاء على إنتاج الغذاء. والمثير حقا أن المنتج العالمي من الغذاء استمر على الرغم من هذا في الزيادة متقدما على النمو السكاني. والحقيقة أنه تم إنتاج غذاء أكثر.
يقول أمارتيا صن في كتابه ( التنمية حرية ) : إن الإنتاج التجاري للغذاء، شأن الأنشطة الاقتصادية الأخرى، يتأثر بالأسواق وبالأسعار.
والملاحظ في وقتنا هذا أن نقص الطلب وهبوط أسعار الغذاء أديا إلى كبح إنتاج العالم للغذاء، ويعكس هذا بدوره فقر بعض من هم في حاجة ماسة إليه. ولكن بعض الدراسات عن فرص إنتاج مزيد من الغذاء تكشف عن إمكان توافر فرص مهمة وموضوعية جدا تحقق زيادة في إنتاج الغذاء للفرد بوتيرة أسرع كثيرا من نصيب الفرد.
كل هذا لا ينفي الحاجة إلى الحد من الزيادة السكانية. حقا إن التحدي البيئي ليس مجرد تحدي الإنتاج الغذائي . إذ ثمة قضايا أخرى كثيرة متعلقة بالنمو والاكتظاظ السكاني. ولكن هذا يشير إلى ضعف مبررات التشاؤم الشديد والظن بأن المنتج الغذائي سيبدأ عاجلا في التناقص ليتخلف عن النمو السكاني. إن الميل إلى التركيز على إنتاج الغذاء فقط، مغفلين استحقاقات الغذاء، يمكن أن يكون معوقا للغاية. ويمكن لصناع السياسة أن يخطئهم التوفيق إذا انعزلوا عن الحالة الحقيقية للجوع – بل وخطر المجاعات – بسبب أوضاع مواتية للمنتج الغذائي.
وإذا استمر الوضع على هذه الحال، فإن العالم يقينا سوف يكتظ بسكانه على نحو مهول قبل نهاية القرن 21. ومع هذا فهناك مؤشرات كثيرة واضحة تفيد بأن معدل نمو السكان في العالم بادئ في الانخفاض، ولكن السؤال هو: هل ستقوى الأسباب الكامنة وراء هذا الانخفاض؟ وإذا كان كذلك، فبأي معدل؟ وليس دون هذا أهمية أن نسأل عما إذا كان هناك ما يتعين أن نعمله عن طريق السياسة العامة لمساعدة عملية الإبطاء.
هذا موضوع اختلفت وانقسمت الآراء بشأنه بشدة.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التعليقات 1
1 pings
محمد الشيخلي
21/03/2019 في 5:41 م[3] رابط التعليق
اظن ان هناك قوى همها المصلحة الشخصية والانتفاع المادي وراء هذه الارهاصات من التحكم بالغذاء وانتاجه واسعاره، فهو الشغل الشاغل بال هذه القوى. والله تعالى اعلم
(0)
(0)