الكتابة والبحث في تفاصيل العقل البشري كعضو مادي قد تطول وتتشعب ويبقى الأهم في نظري الكتابة عن أوصاف العقلاء كنتيجة معنوية لهذا العضو المادي.
الوصول إلى النتيجة غاية والبحث عنها حكمة، والحكمة ضالة المؤمن.
العقل مجرد عضو لكنه أكبر نعمة وهبها الله للإنسان.
يقول القائل:

إذا أكمل الرحمن للمرء عقله *** فقد كملت أخلاقه ومآربه.

العقل ميزة وآية ووسيلة وحماية ونعمة وشقاء أحياناً!

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

العقل ضد الجهل، والسفاهة والحماقة وكل السلوكيات السلبية المتعارضة مع صفة العقل والكمال المقيّد، فالكمال المطلق لله وحده.
البصر، الخيال، التأمل،التفكير، التدبر، التذكّر… أدوات للعقل ومسارات ووسائل حسية ومعنوية يدعم بعضها البعض، لتقود الإنسان إلى الاستدلال المنطقي والعقلاني واكتشاف الحقيقة في الذات البشرية والكون المحيط بها.
{أَفَلَا تَعْقِلُونَ}..{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}..{أَفَلَا ينظرون}
{أفلا يتدبرون}.. هذا الخطاب الرباني والمنهج الإسلامي هو الذي رسم الطريق للعقل المسلم منذ بزوغ فجر الإسلام ليبني الجانب الفكري أولاً ويصحح التصورات الخاطئة في الإعتقادات.. يتضح ذلك جلياً في السور المكية.
قال ابن القيم: "والعقل عقلان: عقل غريزة، وهو أبو العلم، ومربِّيه، ومثمِّره، وعقل مكتسب مستفاد، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته، فإذا اجتمعا في العبد فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واستقام له أمره وأقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب، وإذا فقد أحدهما فالحيوان البهيم أحسن حالًا منه، وإذا انفرد انتقص الرجل بنقصان أحدهما".
العقلاء يسترون القبيح.. فهم مفاتيح للخير ومغاليق للشر.
العقلاء سلاحهم الحكمة وسفينتهم التغافل عن الهفوات.
العقلاء يعرفون جيداً من أين تؤكل الكتف!
ويدركون جيداً متى؟ وأين؟ وكيف؟ تكون الكلمة ذات قيمة ومعنى أو يكون الصمت والتجاهل هو الخيار الأنسب؟
العقلاء حياتهم متزنة في كل النواحي الشخصية والاجتماعية والمهنية.
العقلاء يرون القوة في الوحدة والتكاتف وردم فجوة الخلافات.
العقلاء يبنون جسور الألفة والمحبة في حين أن الجهلاء يبدعون بكل حماقة في صناعة الأعداء والتنكيل بهم لدوافع ذاتية بحتة لا علاقة لها بالقيم السامية النبيلة.
العقلاء أكثر تماسكاً وأكثر حنكة ولا تخدعهم الأضواء الزائفة والبهرجة.
العقلاء يرون المال وسيلة للبناء وتحسين جودة الحياة وليست غاية جمع واستحواذ، ولايرون المال أداة قياس للمكانة الاجتماعية.
قال أبو حاتم ابن حبان : "كفى بالعاقل فضلًا - وإن عدم المال.
العقل مفتاح العلم والمعرفة وثمرة التفكّر والتدبر والتأمل ونور للبصيرة.
للعقل قيمة حسية ومعنوية تظهر في التصرفات الخارجية لمن يتصف به.
العقل أن تزرع بذور المحبة والتعاون وتتخلص من الضغينة والكراهية كما يتخلص الفلاح من الحشائش الضارة في مزرعته.
فعن همام بن يحيى قال: «قلنا لقتادة أي الناس أغبط؟ قال: أعقلهم. قلنا: أعلمهم؟ قال: أعقلهم».
إن المتأمل في كتاب الله عز وجل، وفي سنة نبيه ﷺ  وما ورد في التاريخ الإسلامي، والحضارة الإسلامية يجد عجبا في مجال النهوض بالعقل وتنميته، والرفع من شأنه وبيان فضائل المتصفين به وذم من ليسوا كذلك {إن هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ.. بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} وكذلك إيضاح جميع الأدوات الداعمة التي ترتقي بمستوى عقل الإنسان كالعلم والثقافة.
العقلاء للأسف.. في كل زمان ومكان كالعملة النادرة، فهم قلة وأصواتهم أقل ضجيجاً لكن أكثر ثباتاً إذا ما قارناهم بصوت الحمقى المتعالي والإنفعالي البحت. لهذا السبب تشاهد الخلل البيّن في النسيج الاجتماعي نتيجة تداخل الأدوار القيادية.
أخيراً.. العقل زينة لصاحبه فيا حظ من تزين به، ووسيلة بحث واستدلال فيا بخت من سخره في العلم النافع.