أن تمشي مئات الكيلومترات فإن ذلك يعد حدثاً يستحق التنويه عنه، لكنه إنجاز قد سبق إليه الكثير على اختلاف أهدافهم، فمنهم من مشى بين المدن للتعريف بخطورة مرض، وآخر مشى لمشاهدة مباراة، ومنهم من مشى بين الدول مولياً وجهه شطر المسجد الحرام. لكني أجزم أن ماقام به أربعة رفاق من أهل المدينة يعد إنجازاُ لم يسبقهم إليه أحد. في إثنى عشر يوماً، مشى ركب الأربعة، أحمد وخالد وفصال ومحمد على خطى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من بيته في مكة المكرمة إلى مهاجره ومسجده في المدينة المنورة. لكن هذا الإنجاز سبقته ثلاث من السنين قضوها في الإعداد لهذه الرحلة، بدءاً من قراءة جميع الكتب والمخطوطات التي تحدثت عن درب الهجرة النبوية والمواقع التي مر بها. لم يكن ذلك سهلا أبدا، فمن المواقع مندثر بفعل الزمن ومنها ما تغيرت معالمه، ومنها مااختلفت الروايات فيه. وأحد المصاعب الحقيقية هي أنه لم يعثروا على أي رسم أو خريطة محققة بالكامل سيراً على الأقدام، فقد اعتمدت المصادر التي وجدوها على روايات لفظية، أو مصورات جوية، أو مقاربات بالمركبات. تعيّن على الأبطال الطلوع في رحلات استكشافية متعددة خلال الأعوام الماضية على طول الدرب للتحقق من المعلومات ورسم المسار بدقة متناهية، والتوفيق بين المعلومات المستقاة من مصادر متعددة.
جاءت اللحظة المناسبة يوم الخميس 13 ربيع الثاني 1440 الموافق 20 ديسمبر 2018 ، زمّ الأبطال هممهم وحزموا صبرهم وجلدهم وشرعوا في المسير. كلما اقتربوا من المدينة المنورة، زاد شعورهم بعظمة الرسول المصطفى ومعجزة اختياره لهذا المهاجر البعيد جغرافياً ، لكنه القريب إلى القلب، بل قلوب المسلمين كافة شرقاً وغرباً. كل خطوة على الطريق هي خطوة حب لخاتم المرسلين، ولا عجب في ذلك، فأهل المدينة هم ورثة الأنصار الذين أحبوا الرسول من قبل أن يلقوه. ظل حبهم باقياً صافياً خالصاً، مضفياً على أجواء طيبة الطيبة تلك الروحانية والحميمية والأخلاق الكريمة التي يشعر بها كل من حالفه الحظ بزيارتها. تشرّب أهل المدينة ذلك الحب وحافظوا عليه جيلاً بعد جيل.
كلما مر الركب على قرية أو هجرة، رحب بهم أهلها، وكأنهم في شوق لمن يشاركهم الإحتفاء بخطى الرسول وآثاره التي غمرتهم بالسكينة والمحبة. وصل الركب إلى المدينة، ولم يكن في استقبالهم كاميرات التلفزيون ولا ميكروفونات الإذاعة ولا أقلام الصحافيين ومسجلاتهم، لكن المدينة نفسها كانت في استقبالهم ، هبت عليهم نسائمها العطرة من على مبعدة ، تراءت لهم نخلاتها والريح يعبث بسعفها مصدراً مايشبه التكبير والترحيب، فخرّوا سجداً على أعتابها شكراً لله، وحمدا له على نعمه الكثيرة وأولها أن جعلهم من أهل المدينة وجيران المصطفى عليه الصلاة والسلام. فهل يتوق الركب إلى من يكون في استقبالهم بعد أن تكحلت أعينهم بنخيل المدينة وتربتها، وامتلأت أفئدتهم بهوائها ونسائمها العطرة؟
التعليقات 7
7 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
09/01/2019 في 7:08 ص[3] رابط التعليق
أبدعت الوصف د. عبدااله
(0)
(0)
عبدالله بن عبيدالله بن عطاء
09/01/2019 في 5:11 م[3] رابط التعليق
كلمات رائعة ممزوجة بالأسى من تجاهل إعلامنا لمثل هذه الخطوة المباركة
شكر لك
(0)
(0)
زائر
09/01/2019 في 6:07 م[3] رابط التعليق
مشوا على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم ومشت أقوام قبلهم على خطاه ومن سار على دربه وصل الى النعيم. أبدعت ابن المديمة البار يادكتور عبدالله.
(0)
(0)
المحامي/ أحمد البدراني
09/01/2019 في 8:47 م[3] رابط التعليق
أحسنت يا أبا معن بأسلوبك الرائع أعدتنا إلى حالنا من تتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم وتجاهل الإعلام للمهتمين بسيرته فهنيئاً لهؤلاء الأبطال وهنيئاً لأستاذنا الغالي جمال الأسلوب وتقريب الصورة فشكراً.شكرا??
(0)
(0)
زائر- ابو خالد
10/01/2019 في 6:59 ص[3] رابط التعليق
كلمات حب صادقة من مبدع كاتب، لو سنحت له الفرصة لحلق جسده ليكون خامس ذاك الركب، لكنه بروحه سمى ليكون قبلهم بمشاعره
أبدعت ابا معن …ابدعت
(0)
(0)
Ruqaya Al Tayeb
11/01/2019 في 12:16 م[3] رابط التعليق
أخطأتهم أضواء الأرض، وعرفهم نور السماء
(0)
(0)
زائر
21/01/2019 في 8:40 ص[3] رابط التعليق
لوكانو يريدون اضواء الإعلام لسعوا له سعيهم لكنها النيه الخالصة لوجه الله لايريدون جزاءا ولا شكورا وفتحوا اعين الكثيرين عن رحلة رسولنا الكريم الشاقة حين أذاه قومه واستقبله أهل المدينة بكل حب وشوق
(0)
(0)