مجموعة السبعة أو مجموعة الدول المشاطئة للبحر الأحمر أو حتى مجلس التعاون لدول البحر الأحمر، تصلح جميعها أن تكون اسما للتكتل المتفق على إنشائه مؤخرا اثر اجتماع وزراء الخارجية للدول المشاطئة للبحر الأحمر و خليج عدن الذي انعقد في الرياض صاحبة المبادرة، و هو ما حدا بهم لترتيب اجتماع بالقاهرة قريبا يهدف لمناقشة الاجراءات التقنية و التنظيمية لهذا الكيان، لكن الدول المشاركة في الاتفاق و توقيته ابتداءً يحمل صنوفا من التحليلات و الدلالات، و أهم من هذا و ذاك هو الطرف المبادر بالفكرة و الداعم لتحقيقها و الذي له من الحسابات السياسية و الاقتصادية الكثير،
من المسلّم فيه أن الدول في علاقاتها الخارجية تسعى إلى رسم توازن اقليمي و دولي يسهم انخراطها ضمنه في استقرارها و ثباتها السياسي داخليا و خارجيا، و هو ما ينطبق على القوى البارزة في تلك التوازنات كما الدول المستجيرة بها، و هو سمة النظام الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية و استقرار السلم و الأمن الدوليين كمبادئ عالمية بديلة عما كانت عليه في العصور الماضية، لذلك فمن الضروري فهم الإطار العام الذي تعمل عليه هذه التحالفات و التكتلات أساسا، لكن لهذه المبادرة و لأصحابها دوافع تختلف حسب أهداف كل طرف فيها و استراتيجياته،
فالرياض ترى في تطورات المنطقة الساخنة أصلا محركا لمخاطر استراتيجية تهدد أمنها فتسعى في المقابل إلى تدعيم موقعها الجيوسياسي و الاقليمي من خلال تحالفات سياسية تكون إسنادا أو حتى بديلا للكيانات التقليدية و على رأسها مجلس التعاون الخليجي رغم التأكيد في دورته الأخيرة على ضرورة الحفاظ عليه صرحا خليجيا جامعا، كما تنظر إلى الأمر من جهة دورها كقوة اقليمية مساهمة في استقرار المنطقة و محركة للأحداث فيها إذ لا شك أن الدور الفاعل في المجموعات و الكيانات الدولية عامل بروز و نفوذ، كما لا يخفى قلقها المتزايد من الدور الايراني و التركي في منطقة القرن الافريقي و الساحل الغربي للبحر الأحمر و الذي يأخذ غالبا أشكالا اقتصادية و استثمارية ما دفعها إلى استباق التأثير في المنطقة الاستراتيجية قطعا للطريق على القوى الاقليمية الأخرى إذ أن أي فراغ سياسية فيها يفتح الباب لغيرها في لعب ذلك الدور،
اقتصادي فالرهان السعودي على مشاريع عملاقة مطلة على البحر الأحمر ضمن رؤيتها 2030 المستندة إلى تنويع الاقتصاد و دعم العائدات غير النفطية يدفعها إلى التنسيق مع الدول المشاطئة لذلك الحوض و فتح أبواب التعاون معها لإنجاح تلك المشاريع، كما أن الاقتصاد هو الدافع أيضا لبقية الدول للانخراط في هذا الكيان اذ أنه إنجاز واعد لمصر و الأردن المهتمتين بمشروع "نيوم" و "مشروع البحر الأحمر" كما هو الحال للسودان و الصومال و جيبوتي التي تجمعها علاقات مستقرة مع المملكة العربية السعودية،
الجانب الأمني حاضر بقوة هو الآخر في حسابات الدول المجتمعة، إذ أن خطر القرصنة و الجماعات الارهابية المحدق يدفع السعودية و اليمن للعمل مع دول الساحل الغربي للبحر الأحمر قصد تحييده خاصة أن الميليشيات الحوثية استغلت كثيرا الموقع الجغرافي لتهريب السلاح و تلقي الدعم بحريا و هددت أكثر من مرة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، و منه تنظر السعودية إلى استقرار دول القرن الافريقي أمنيا و سياسيا عاملا من عوامل أمنها القومي تماما كما تعتبره مصر و السودان أيضا، و تأسيس كيان سياسي جامع لتلك الدول سيساهم عميقا في محاربة ظواهر الارهاب و القرصنة و الاتجار بالبشر في خليج عدن خصوصا، و هو من الأسباب الرئيسية التي استندت عليها فكرة المشروع،
لنا أن نرصد في هذا الاتفاق غياب دولة مثل اريتريا و هي التي تذرع سواحلها ألف كيلومتر على البحر الأحمر و تحدها السودان و جيبوتي المشاركتان في هذا الاتفاق ثم ان ارتباطها بأقرب و أقصر طرق الملاحة التي تربط بين البحر الأبيض المتوسط و المحيط الهندي يجعل دورها حيويا في الكيان المزمع انشاؤه مما يزيد الغرابة في رفض أسمرة للانضمام لكن الجزر المختلف عليها مع اليمن و تخوفها من الجانب الجيبوتي الذي دخل علاقات وثيقة مع السعودية بلغت حد الاتفاق على انشاء قاعدة بحرية سعودية على أراضيه ربما أعاد حسابات ارتريا في جدوى الانضمام من عدمه، بيد أن انضمامها مرجح حال نجاح هذا الكيان و ثباته لتأثير دول الجوار و الدول العربية الأخرى على واقع المنطقة، ذلك أن اي اتفاق او اعادة رسم الحدود أو فض النزاعات بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر سيمر حتما عبر قنوات ذلك الكيان خاصة و أن الوساطة السعودية نجحت مؤخرا في تحقيق مصالحة بين اريتريا و اثيوبيا طويت بها صفحة قاتمة من النزاع،
و مهما يكن من أمر فإن مدى نفوذ هذا الكيان و بروز أهميته على الصعيد الدولي سيرتبط بتفاعل القوى الكبرى مع خطوة إنشائه لكن نظرة فاحصة ستكون كافية لإدراك أن روسيا التي أخذت تعمق علاقاتها مع القاهرة و تسعى جاهدة الى ملئ أي فراغ استراتيجي للولايات المتحدة و الصين تلك القوة المتصاعدة التي تراهن على مشروعها العملاق "الحزام و الطريق" و الذي يمر من منطقة البحر الأحمر و خليج عدن ناهيك عن توسعها الاقتصادي و الاستراتيجي حيث تعتبر الشريك التجاري الأول لإفريقيا بما قيمته 300 مليار دولار أمريكي إضافة الى نفوذها العسكري في افريقيا و هي التي أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي منذ عامين، لننتهي بالولايات المتحدة الأمريكية و شيئا ما بعض الدول الأوروبية الحاضرة عسكريا و أمنيا في المنطقة و التي ستحاول حماية مصالحها عبر تعميق نفوذها ضمن هذا الكيان، إن لم تنجح في محاصرته، ما يعني اهتماما اقليميا و دوليا أوسع بالكيان السياسي الوليد .
عبد الفتاح بن عطية
كاتب صحفي