في ليلةٍ مضت كنت أعيش حُلماً جميلاً وردياً عانقتُ معه هامات السحاب وعشتُ حياةً استقراطيةٌ عريضة ووجوه فيها أثر النعمة والحياة السعيدة رأيتُ من خلالها عالمُ آخر من البشر وأماكن أخرى لم أرها من قبل مباني شاهقة وسيارتٌ فارهة وملابس ذات ألوان وأشكال مختلفة لم أعتد عليها ، وخدمات تقدم إليّ بالمجان وعلاقاتٌ وصداقات مع علية القوم والكل والجميع يريدُ أن يخدمني وينتظرون إشارة مني لتلبية طلبي ، لم أعد أتفرغ لأهلي ولا لبيتي من كثرة الإرتباطات والاجتماعات والمناسبات بعد أن كنت أمضي الأسابيع بل الأشهر بلا مناسبات حتى من جاري في ذاك الحي القديم هو ذاك الرجل الميسور الحال والذي لم يلتفت إليّ يوماً .
وكل ذلك إختلف بعد أن صدر أمرٌ ملكي بتعييني مسشاراً لولي العهد ، وفيما أنا أعيش فرح تلك اللحظة وإذا بي أشاهد معارف جدد وأصدقاء ووجوه لم أعتادها ، وكنت اتسائل وأنا في ذاك الحلم هل هؤلاء معارف حقيقيين ، أم أصحاب فرضهم علي الواقع والظروف التي أعيشها الآن ، أم هؤلاء أصدقاء مصالح أتى بهم ذلك المنصب الجديد .
وفي خضم تلك الحياة المزدحمة بالمواعيد والزوار والسفريات والدعوات والاجتماعات وبتلك القروبات التي أُضاف بها برغبة مني وأحياناً أجد نفسي مرغماً بها وذلك الإهتمام ممن كانوا يوماً ينصبون لي العدوات وآخرين كانوا يمرون علي في الطريق وينشغلون عادةً بالجوال عن النظر إلي أو محادثتي لأنني إنسانٌ عادي وفي وسط هذا الضجيج وتلك الحياة المليئة بكل إهتمام إلا وينزلُ علي ذلك الخبر عبر وسائل الإعلام بإعفائي من منصبي .
فكأنما العالم إنقلب رأساً على عقب بعد صدور أمر الإعفاء من منصبي الذي لم أفرح به طويلاً ، تغيرت تلك الوجوه وتلك الملامح ورأيتُ ذلك الجفاء وتغيرت علي لغة الحديث وتجاهلني البعض وكأنني لم أكن ذاك الرجل المهم بالنسبة لهم ، بل وصل بالبعض إلى أن يتأسف ويتحسر على ذلك الغدا وتلك الوليمة التي عملها على شرفي يوماً ما وخسارته للمبالغ والوقت الذي هدره من أجلي وانكشف لي ذاك الغِطاء عن حقيقةُ تلك الأيام وتكشفت عن وحوش كاسرة تكاد تأكلني وتمزقني بنظراتها ، ياللهول كدتُ أموت مقهوراً فلم يعد علي عقلي إلا بعد أن قاربتُ على الجنون والهذيان .
ولكنني في الحقيقة خرجت من ذلك الحلم وتلك التجربة القاسية بدرسٍ عظيم بأن هؤلاء الناس كلهم بنسبة تصل إلى 99٪ يتقربون منك للمصلحة فقط ولجعلك جسراً لمصالحهم ولم أجد بعد هذا الإعفاء من ذاك المنصب إلا زوجتي وأولادي الذين يعيشون معي في السراء والضراء وذاك الصديق الذي إنشغلتُ عنه كثيراً بدواعي المواعيد والاجتماعات حتى ضاق مني ذرعاً ولم يعد يسأل عني حتى عُدتُ إليه بقدمي وسألت أنا عنه وذهبت إليه مشتاقاً .
ذاك الإعفاء كشف لي الكثير من الغموض في هذه الحياة وأن هؤلاء الناس ماهم إلا أصحاب حاجات ومصالح يرغبون في تحقيقها من خلالك أنت ياصاحب ذاك المنصب ، فإين هم عنك قبل أن تكون ذاك السيد الآمر الناهي وأين هم عنك بعد تركك لذلك الموقع وهو مجرد حُلمٌ ومضى ولكنني تعلمتُ منه الكثير والكثير .
فماذا تعلمتُ :
تعلمتُ من خلال ذلك الحلم أن أكون متواضعاً مع المساكين وأن أكون عوناً لكل محتاج وأن لا أتغير وأنشغل عن من كانوا يوماً يعيشون في حياتي البسيطة والمتواضعة ، وأن أقلل بل ابتعد عن صداقات كبار القوم وأهل الحياة الباذخة لأنهم لن يعيشون إلا بنفس مستواهم المعيشي ولا لغة تطفوا على غير تلك اللغة التي يتعاملون بها ، وأن أتعامل بحذر مع أصحاب العلاقات المفاجئة والذين يأتون ويتكاثرون مع ذاك المنصب وعندما تغادره لأي سبب تنشق الأرض وتبتلعهم ، ومن الضروري أن أحرص على علاقتي مع من عاشوا معي بالعسر واللين ، وأن لا أتخلى عن علاقاتي السابقة بداعي الحياة الجديدة وتلك المناصب الزائلة .
أخيراً من عاش معي في العُسر سيكون الصادق معي في اليُسر ، وسيكون المخلص الحقيقي والذي أحبني بعيوبي قبل أن أكون شيئاً مذكوراً .
- إمام المسجد النبوي: الإيمان العميق وحسن الظن بالله هما السر الكامن في ثبات الأمة
- متحدث «الأرصاد»: أمطار غزيرة ورياح نشطة على المملكة قبل دخول الشتاء
- تؤكد التزام المملكة وجهودها في مجال الاستدامة بالقطاع السياحي
- بلدية الخبراء تطرح ثلاث فرص استثمارية
- 5 ضربات ناجحة.. “الزكاة” تتصدَّى لتهريب 313,906 حبوب “كبتاجون” في الحديثة
- خطيب المسجد الحرام الشيخ عبد الرحمن السديس: لا تنجرفوا بأخلاقكم نحو مادية العصر واجعلوا الاحترام أساس علاقاتكم
- الاتحاد الدنماركي لكرة القدم يدعم استضافة المملكة مونديال 2034
- “تفاصيل الغياب” تبهر الجمهور وتثير الإعجاب في جدة
- تركي آل الشيخ يفوز بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير من MENA Effie Awards 2024
- هل يوقف العنب الأحمر سرطان الأمعاء؟
- الأرصاد عن طقس الجمعة: أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق
- أمير منطقة حائل يستقبل وزير السياحة
- إدارة تعليم المذنب تحتفي باليوم العالمي للطفل
- حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر
- تنفيذ حكم القتل تعزيراً بعدد من الجناة لارتكابهم جرائم إرهابية
المقالات > حُلمٌ ومضى
حُلمٌ ومضى
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3274976/
التعليقات 2
2 pings
زار
11/11/2018 في 3:23 م[3] رابط التعليق
سلمت يداك مقال رائع جداً
(0)
(0)
زائر
11/11/2018 في 6:05 م[3] رابط التعليق
التعليق
(0)
(0)