على الرغم أن قضية اختفاء المواطن السعودي "جمال خاشقجي" لا تزال رهينة التقصي والبحث، إلا أنها تستحق التأمل لما فيها من عبر ودروس يمكن الاستفادة منها. وهذه القضية باعتبار سعوديتها الخالصة، قد تمخض عنها اعتبارات (وهمية) لجماعات أخرى لا تمت بأي صلة للموطن الأصلي لـخاشقجي (السعودية). فالكثير من المنظمات والجماعات التي تشكل مجتمعة "حِزب عدائي" للسعودية، تحاول شتى الوسائل للنيل من مكانتها من خلال اختلاق سيناريوهات وقصص هي أبعد ما تكون عن الحقيقة أو ما يقرب منها. وعلى أي حال، فقد انبثق من قضية "خاشقجي" الكثير من المسائل التي نحن في أمس الحاجة لوضعها تحت مجهر الدراسة.
من اليسير ملاحظة ضِعف التصدي الإعلامي (خارجياً) لهذه القضية، فالإعلام المعادي يملك "الالتفاف" بفضل القوى الكثيرة التي تتفق و اتجاهاته العدوانية، أضف الى أنه يمتلك الكثير من المرتزقة (عبيد المال) الذين لا يتناهون عن الظهور الشرس مقابل حفنة من المال. وهذا لا يُجابَه إلا بموارد إعلامية قوية تخترق الحدود المحلية باحترافية، وهو ما تفتقده الموارد الإعلامية المحلية. كما يمكن ببساطة ملاحظة أحادية اللغة الإعلامية، والتي أظهرت موطناً من مواطن الضعف لدينا. فاللغة المعادية لا تتحدث لغتنا، ونحن لا نفهم لغتهم، وبالتالي وقعنا في حرج التفاعل دون وسيط.
إننا نمتلك أسطول إعلامي هائل ولكنه بحاجة للتطوير. فهذه الحملات الشرسة الموجهة الينا من قِبل الكثير من الأحزاب والجماعات والتي تمثل في النهاية وفي التحليل الأخير (أصوات دول)، تستوجب وجود أصوات ناطقة بلغات تلك الدول، بحيث تملك السيطرة على الأحداث الإعلامية فور أو قبل تأججها. إن ثقتنا لا يخالجها الشك إزاء مقدراتنا الإعلامية، ومدى قوتها وفاعليتها، لكننا بحاجة لتطويرها وإدخال عناصر تفهم العالم الآخر الذي يصعب الوصول اليه بنفس الإمكانات الراهنة.
إن الغياب الحقيقي ميدانياً في الأراضي التي ينطلق منها صراخ الأصوات المعادية، يؤكد الحاجة الفعلية لخلق عناصر جديدة يمكنها الخروج من إطار الايدلوجية الإعلامية القديمة، لتقف في مكان الحدث محملة بكل الترسانة الإعلامية الحديثة.