من الظواهر الصحية في أي مجتمع وجود أفراد أو منظمات تهدف الى المطالبة أو تسليط الضوء على مسائل تمس جانب من الحقوق الإنسانية الغير متحققة لفئة معينة، والتي تمتاز في عين الوقت بأنها مسلوبة خلافاً للعرف القائم أو العادات المتعارف عليها. ومجتمعنا كأي مجتمع آخر متحضر لابد أن يحتضن داخله مثل هذه المجموعة الحقوقية.
ونحن نؤمن بأهمية هذا التواجد الصحي داخل المجتمع، إذ أنه يلعب دوراً هاماً في تنبيه الرأي العام أو الجهات المعنية أو في بعض الأحيان المجتمع بأكمله لمسائل تمس حق "إنساني" غير متحقق.
وتختلف كما لا يخفى أساليب المناشدات الحقوقية تبعاً لطبيعة المجتمع وعاداته والقيم المؤثرة فيه، وهذه الثقافة أو القيم المجتمعية لابد أن تحظى بقدر من الاحترام عند الحقوقي أو الحقوقية عند مطالبتهم بالحقوق التي يرون أنها غير متحققة.
لكن يبدو أن معظم الحقوقيون في مجتمعنا لا يعرفون من "الحقوق" إلا ما يتعلق بالمسائل الشرعية أو حقوق المرأة أو الدفاع عن المثليين، سواءً من قريب أو من بعيد. ومعظم هؤلاء الحقوقيون "باستثناء المتزنين منهم" لا هم لهم إلا الصراخ والعويل ليل نهار للمطالبة بتصحيح المفاهيم العامة تجاه هذه الثلاثية (بزعمهم). وكأن هذه المسائل هي العثرة المانعة لتحقيق الرفاهية الإنسانية ونيل الحقوق المسلوبة والوصول لمستوى حضاري عالي.
قبل بضع سنوات كانت قيادة المرأة للسيارة هي الوجبة اللذيذة لمعظم الحقوقيين في مجتمعنا، للدرجة التي ختم معظمهم صحيح البخاري ومسلم عدة مرات للبحث عن ما يؤكد معارضة الدين لأي مفهوم قريب من قيادة المرأة للسيارة. كل ذلك للبرهنة على أن الدين سبب الرجعية المجتمعية (كما يزعمون).
ونحن لا نعلم لماذا يرتبط نشاط الحقوقيون لدينا بهذه المسائل دون غيرها!! فهل خلى المجتمع من المشاكل الأخرى المرتبطة بالحقوق الإنسانية حتى يعتكف الحقوقيون على هذه المسائل الثلاث فقط؟ أين ذهبت حقوق مرضى السرطان، ومرضى الكلى، ومرضى فقر الدم، والمساجين، والمتسولين، ومدمني المخدرات، والعاطلين، واليتامى، والمعسرين، وغيرهم ممن هم بحاجة للدفاع عن حقهم الإنساني.
يخيل لي أن معظم الحقوقيين لدينا يطلبون المخالفة من أجل "الشهرة" .. وهذا يتضح من اتجاهاتهم (الثلاثية) التي لا يحيدون عنها، لأن هذه الثلاثية ببساطة، ترتفع حساسية المجتمع عند التطرق لها، وهم بذلك يجدون المتعة في المناداة بها، ويجرون معهم القطيع التابع لهم.
إننا نأمل من مجتمعنا الذي لا نشك في وعيه ألا يكترث بهذه الأصوات ذات الطابع "الثلاثي" التي تدعي المطالبة بالحقوق الإنسانية وهي إنما تطلب رفعة (الأنا الاجتماعية) من خلال مسائل يخال لهم بأنها تمس الإنسانية، وهي في الحقيقة ليست سوى اختلاق وترويج لموضوعات الغاية منها كسب الأنظار والشهرة المُفلسة.