إن من أعظم العبادات القلبية التي ندب إليها ديننا :
حسن الظن بالله تعالى ، وماهو حسن الظن بالله ؟
إنه توقع الجميل من الله تعالى،
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إن حسن الظن بالله تعالى من حسن العبادة)
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
" نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار ، فقلت :
يارسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه ، أبصرنا تحت قدميه ،فماذا قال الذي عاش لله ، وبالله ، ومع الله ، " يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ؟
لا إله إلا الله «إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» فما هي النتيجة ؟
«فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ»
يقول ابن القيم رحمه الله :
وكلما كان العبد حسن الظن بالله ،حسن الرجاء له ،صادق التوكل عليه فإن الله لايخيب أمل آمل ،ولا يضيّع عمل عامل .
وياساهر والليل أضناك طُولُه
وأضناك ما أضناك في القلب شاغلُه
إلى من يحوم الطّرف يمنى ويسرةً
وربك فوق الكل ما خاب سائلُه
وأنت أيها المسلم ، يا من أكرمك الله بالإسلام من غير سؤال، بل كان تفضلاً عليك وامتنان من الواحد الديان ، ماظنك بربك وماهو حالك عندما تصاب بلوثة الهموم والكروب والديون ، وعندما يسلط عليك الأعداء اللسان والسنان ، وعندما يفارقك الصديق ،ويغدر بك الحميم ، ويجفوك القريب ، ويضيّق عليك في الرزق الوفير ، ويسلط عليك الداء في الجسم القويم ، ماظنك بربك ، حين ترى الناس يُتخطفون من حولك وقد مسهم من البلاء والكرب العظيم ، ففقدوا العائل ، وفقدوا المنزل الآمن ، وسُلبوا أموالهم وأولادهم ،بل قُتلوا وهم على صدورهم ،ولرب العالمين يجأرون ،والذنب كل الذنب أن القوم قومٌ مؤمنون ﴿وَما نَقَموا مِنهُم إِلّا أَن يُؤمِنوا بِاللَّهِ العَزيزِ الحَميدِ﴾ .
ما هو ظنك بربك أيها الفقير وأنت تقرأ قوله تعالى ﴿وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ إِلّا عَلَى اللَّهِ رِزقُها وَيَعلَمُ مُستَقَرَّها وَمُستَودَعَها كُلٌّ في كِتابٍ مُبينٍ﴾ .
ما هو ظنك بالله يامن يبحث عن وظيفة ولم يجد ، والله تعالى يقول ﴿وَفِي السَّماءِ رِزقُكُم وَما توعَدونَ﴾.
ما هو ظنك بربك أيها المريض ويامن أصابته الهموم والغموم ؟ وأنت تتلو قوله تعالى ﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفاءَ الأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ .
ما هو ظنك بالرحمن يامن عصيته ؟ وأسرفت على نفسك بالمعاصي ،والله تعالى يناديك
﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾ .
ما هو ظنكم بربكم أيها المظلومون ؟
ودعوتكم ليس بينها وبين الله حجاب ، وتصعد إلى السماء كأنها شرارة ، وتُحمل على الغمام ، وتُفتح لها أبواب السماء ، ويقول مولاك (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) .
ما أجمل حسن ظن القائل حين قال :
وإني لأدعوا الله حتى كأنني
أرى بجميل الظن ما الله صانعه
وتذكروا أن حسن الظن لا يكون مع التفريط والإضاعة والإهمال ، وإنما يكون مع حسن العمل وتمام الإقبال .
قال الحسن البصري رحمه الله :
إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل ، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل .
فحسن ظنك بربك أيها المؤمن حتى آخر لحظة من حياتك ،كما قال عليه الصلاة والسلام ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عزوجل ) .
وقد جسّد السلف الصالح لنا هذا الأمر ،في أقوالهم الخالدة التي كتبوها بأحرف من ذهب :
١_ كان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك " .
٢ _ وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول :
" والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عزوجل ، والذي لا إله إلا غيره لا يحسن عبدٌ بالله عزوجل الظن إلا أعطاه الله عزوجل ظنه ، ذلك بأن الخير في يده "
٣ _ وقال الحسن البصري رحمه الله :
﴿ِ وَأَحسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسِنينَ﴾ أي " أحسنوا بالله الظن " .
وإلى الذين خالط شغاف قلوبهم اليأس وسوء الظن بالمولى ، ولهجوا بقولهم :
إن الله لن ينصر المؤمنين ، وسيبقون مستضعفين مقهورين مسجونين ، عليهم سيوف العذاب وأنواع الإبتلاء ، وأن الله لن يظهرهم في الدنيا ، فهذا قد أساء وأظلم ﴿مَن كانَ يَظُنُّ أَن لَن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَليَمدُد بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ ليَقطَع فَليَنظُر هَل يُذهِبَنَّ كَيدُهُ ما يَغيظُ﴾ .
فاحذروا _ أيها الإخوة _ أن يتسلل اليأس وسوء الظن إلى أنفسكم ، وإذا رأيتم النكبات والبلايا تنزل بالمسلمين الواحدة تلو الأخرى ، ولا نسمع بنصرٍ كبير يحصل للمسلمين نقول :
انتظروا ، فلتعلمن نبأه بعد حين ، وستأتي الأنباءُ في عمرنا ، أو في عمر من بعدنا بنصرة الإسلام وأهله ، فقط أحسنوا الظن بربكم ، وأحسنوا له العمل ؛ تفوزوا بالرضا والرضوان من الرب الرحيم الرحمن ونزول رفيع الجنان .
والحق يعلو والأباطل تسفلُ
والحق عن أحكامه لا يُسألُ
وإذا استحالة حالةٌ وتبدلت
فالله عزوجل لا يتبدلُ
واليسر بعد العسر موعودٌ به
والصبر بالفرج القريب موكلُ
وختاماً ...
فما ظنكم برب العالمين