جلستُ مع إبني زياد في حلقة نقاشٍ في رسم برنامجاً حافلاً بزيارات عائليةٍ لعمّاته .. وذلك لنحظى بجوٍ عائلي مفعمٌ بالترابط تسودهُ المحبة وتغشاهُ الأُلفة .. فذكر إبني أن عماتَه ( ماشاء الله ) كُثرٌ .. وأماكنهم شتّى .. فلم لا يكون ذلك عبر إحدى منصات التواصل الإجتماعي .. ممزوجةٌ بأحاسيسٍ إلكترونيةٍ .. مختلطةٌ بمشاعرٍ تقنيّةٍ .. (فأستوقفتني عباراتَهُ) .. وأدخلني هذا الشقيُّ في دوامةٍ فكرية .. خاصةٌ أنني أنعتُها دائماً بـ( وسائلِ التقاطع الإجتماعي) .. فهي بلا شكٍ خطفت علاقات الأُسر .. وبترت ترابط الأهالي .. وأفقدتنا حميمية الإجتماع .. وتوارت معها مشاعر الإلتقاء ..فقلتُ لَهُ متحمّساً : اسمع يا بُنيّ .. إنني لن أُصادر هُنا أهمية هذه الثورة التقنية والنهضة التكنولوجية فهي مكانٌ ملائمٌ للتعبير عن الذات وتزيد من دائرة العلاقات الإجتماعية بعيداً عن الحدود والقيود ومتابعة آخر مستجدات العالم ، كما أن لها دورٌ بارزٌ في الدعاية الفكرية والثقافية والإقتصادية ، رُغم أن هذا الفضاء التقني المفتوح أصابنا بعُزلةٍ ذاتيةٍ وأوقعنا في شِراك إدمان الأجهزة ، وتعرتْ معه الأفكار وأنتُهِكتْ الخصوصيات وأصاب معظم القيم والثوابت بمقتلٍ ، وزادتْ من خلاله نزغات النفوس الأمّارة بالسوءٍ وتمادى الأغلبية في العبث بالمشاعر البشرية وتعمّق البعضُ من خلالهِ إنحرافاً وضياعاً ..
فنظرتُ إلى إبني لأقيسُ مدى تركيزه لإندفاع عِباراتي وحديثي المستفيض فوجدتَه لاهياً على جهازه غارقاً في محادثةٍ إلكترونية أجهلُ مصدرها ، عندها أيقنتُ بإننا أمام متغيراتٍ لا أعلمُ إلى أين ستصِلُ بِنا .. فحانتْ مني إلتفاتةٌ نحو ساعتي فأدركتُ أن الوقت قد سرقنا دون أن نعي .. فقلتُ ياولدي لم يعُد لدينا متسعٌ للزيارة .. (خلاص يا زياد دُق على عمتك) .