كل ما أتذكره الآن سأغمس به فرشاة ألواني بحرية! لتنزاح إلى المجاز د. دلال مقاري مما يتيح لحكايتي الذهاب بعيداً في عربات المعاني ! ذاكرتي على كفي تنبض بهواجسي ، بريشة القلق تخط قدرها الجديد ريشتي المتصوفة ، تبحث بذهنية الشخوص عن الحقيقة أمام الوهم ، عن النور أمام الظلام ، عن التأمل في أوراق الحياة . ذاكرتي تتوهج ، أبصر فيها سكينة مطمئنة يتردد فيها صوته ، بغصة رجاء ! وآخر الوصايا التي رشقني بها ( لا تطمئني إلى الموج )!! وينفرد البحر أمامي مجعداً بالموت ! أعيد الثقة لفرشاتي كي ترسم التاريخ ، بوصفها تحدياً من الاحساس والرهافة والحلم . وكل حركة ، ورفة لون هي انتصار على الموت ،إذ لامفر من الذكريات تضئ السراج المعلق آخر النفق ، تدق باب الماء ، تجمد كموت شفاف. فجر يوم بارد ، وشاطئ الوداع الذي يتحدث لغتي ، يحذرني من هدير البحر ، ويقشر لوز الروح ليتركني عزلاء أمضي إلى طاحونة الطريق يد صديقي العاجزة ! تجرني كي أعود ، وترشقني بالوصايا ومخاوف النعش. مركب الرحيل المنتظر لا يتسع لأحلامنا ، نجلس على حواف سكين المغامرة ، وتتمدد أرواحنا في قبو الذاكرة ، لانحلم إلا به ! ذلك الوطن الذي أفرغناه ، ولم نفرغ منه! قدنا المنحني يخبئ الآمال في جيوبنا المثقوبة ، نتلو دعاءنا المؤجل ، ونبحر! للمتوسط وجه آخر لا يدركه سوى من لمس حد الموت، على تجاعيد موجة مخاوفنا التي استيقظت لحظة وداعنا الشاطئ ، عفرت وجوهنا بحكايا ممزقة وشجون . ( يارب السماوات ، نجينا من الماء ) عينا طفل مهاجر مثلي ، تعلقتا بفرشاة ألواني ، أستعيد خوفهما المكسور ، وارتعاش ابتسامة ذبلت على وجهه . أرسم له بيتا آمناً، وأرجوحة ، ودراجة ، ورغيف خبز ، وأما تنتظره على قصعة طعام ، بعد رحلة المعارف في المدرسة ، أفتح له نافذة خارج الاحتمالات ! الأمواج تدفع المركب إلى الجحيم ، فاجرة ترشقنا برذاذ كالزجاج المكسور، تهددنا بالخزف الأزرق ، ينفتح على الأعماق. كلما ابتلعنا طريق الموج ، هزني جوع ذكرياتي ، وخطواتي المهزومة في أرض الحنطة ، شهوتي إلى الحياة ، تنز من جرحي المفتوح ، أرشقه بالماء المالح، كي لا أسقط في هاوية الندم ، هل أعود ؟ صدع في مركبنا ، يمنح للموت خيوط اللعبة ! ليجلس وراء الدفة ، ينحي الكابتن من مكانه ، ويقودنا إلى حتفنا. ريشتي تقول : الموت كان جالساً معنا طوال الوقت، يمزق شراعنا الأبيض ، يهيئ لنا الميراثي ، ويجدف بأحلامنا إلى الهاوية ! ذاكرتي ترتق ما تفسخ من روحي وتجهش بالتفاصيل ، ( هناك ولدت! هناك اشتعل الرصيف تحت تفتق حذائي ، ونسلت روحي ، وكسرت فرشاة ألواني بيد العاصفة ، وهناك سقطت أتمرغ في بكاء ألواني ، حين اشتعل مفرق صدري ، وداستني نعال برائحة أعقاب السجائر ، هناك صمتت أغنياتي وسنوات دست خطأً في معطف عمري) العاصفة تشتد ، ويزبد الموج برغوة ، كأنها جثث قد سبقتنا إلى مقبرة البحر ؟ قيء حامض يدور في أحشائي ويقف على ممر ضيق في ذكرياتي( أقرع بوابات مدينتي المشتعلة ، يارب ، جفلت مهرتي والضباع التي تفلتت في زمن العنف وخفقان الموت ، خدشت عناية الملائكة التي تحرسني وقصت ضفائر حكايتي ! وعبأت رئتي بعويل مسموم ) هل أرحل ؟ المركب يهتز في رقصة الموت الأخيرة ، يعلو ويهبط ، يرمينا في العتم ، أسقط في تجاعيد الموج الفاجرة ، أكز على شفتي ولغتي ، أهبط ، تسحبني نبتة سحرية بعيداً إلى جوف الأزرق ، أتمرغ في أصداء مذعورة ، أبحث عن حالي لأجمعني مجددًا في صندوق روحي! البحر فخ لين ، تغرقنا أمواجه ، تبسط لنا كف الزبد ، تتحرك لتهرسنا . الأمواج تدفعني وحقيبة ذكرياتي المثبتة على ظهري بعيداً عن الشاطئ المنتظر ! ذلك الشاطئ التعب من كبو حطام السفن وطوفان جثث الغرقى. ( مدينتي القديمة ذات الصباح الصافي ، مرغت وجهها الرملي ، بشحم البغض اللزج ، تزبد به ماكينة الموت ! تمد مخالبها إلى شروخ الجدار وأقبية الروح وحليب الأمهات، كلماتي التي ضلت طريقها إلى النبع انطفأت كنافورة ماء سدت عينها بصخور النيازك المشتعلة ، تتطاير من كل صوب .) ياالله وكيف أرحل ؟ يتردد صوت رفيقي في أعماقي الجامحة : لافوز بالهرب ! يهزني جوعي إلى الهرب ، وتنسكب الألوان الحائرة في البحر ، تتبعثر في صمت ، تمزجها فرشاتي المغامرة . أجدف ، أسبح ، أوقظ شهوتي إلى الحياة ، كي لا أمنح الأمواج الجاحدة لحظة وداعي ! فمازال لدي الوقت ، كي تطمئن حكايتي وألواني إلى الشاطئ. لن أعلن هزيمتي ، بل سأمنح فرشاتي ، وعدي لها بأن ترسم اللوحات خارج الإطار ! لتشرد أحلامي من الباب المفتوح. من بعيد ألمح ضوء برتقالي ، بيني وبينه ظلمة لا تغيب ، وأشباح أربكت الصمت. ( لافوز بالهرب ) رنين صوته المعلق في أذني كحلية قديمة ، يتكسر كسفينة على صخور الشاطئ . أغمس فرشاتي ، في عنفوان ذاكرتي المجروحة ، أضغط على تفاصيل الصور ، لأزاحم الفراغ وأملؤهُ بخطوط تهرب من دهاليزي. ( أخرج من دخان الكلام شاردة ، للريح خطواتي ، للكتمان صوتي ، للأموات عويلي ، وفرشاتي تهدد حزني كي ينام ، توقظ الموتى بغناء العندليب دقت حنجرته! ) أريد الهرب! لا أجرؤ على الالتفات إلى الأطياف الضالة مثلي في عتمة الأمواج ، هشة تتلاشى في قبو البحر ، بحكاياها وأحلامها ، ترفضها كل ضفة .البحر قبر لألواننا المختلفة ، أحلامنا المختلفة ، أصواتنا المختلفة ، وصرخاتنا التي تفزع الهواء بشهوتها للحياة. أنزلق إلى الأعماق ، أتلمس مساماتي المتعبة ، كم أنا متعبة ، فرشاتي تلطخ الظلال ، والقاع ، والظلمة، بخيوط من نور ، وأرفة كخطوات نيزك على وجه الماء. ألملم زهور عمري في إناء مكسور ، هشمته كلمة مستبدة ! أمسكي بي أيتها الفرشاة وليعلو صوتك الخافت ، أيتها الألوان ، اسحبيني وذكرياتي وحلمي الصغير ، من فمه المفتوح ! من انحناءات الموج وعتمة الأزرق تنغلق على أصواتنا وذكرياتنا وأسرارنا. (ياوطني ، جفلت خراف أحلامي من الذئاب الضالة تطرق بابنا الآمن تدهن أيامنا بالقلق والحيرة وتدفعنا إلى حكايا البحر) أريد أن أبحر إلى هناك ؟ متورطة بالأمل وبضفة لا تفسر ألواني بالفجور منفتحة على لغة جديدة ، تربكني مفرداتها ولكن لا تحيلني إلى الصمت ! سأرسم النهار بفرشاة ، ألوانها لا تموت كمفارق الفصول ، سأبتكر طرقا جديدة لنحت الروح من السموم وقيء العافية والزهور الذابلات ! أدفع عني الموج ، بفرشاة ذاكرتي ، آخرون مروا من قبلي هنا ، وتواروا في شحيح الضوء وحشد الزبد. ورق التذكار يجدف معي ، في عودة إلى شاطئ مألوف ، بلل خطواتي على الرمل ، وأدخلني في فقاعة الألوان التي أعشق ، خافت مثل صوت الأصداف ، تتنفس حكايا البحر . جسدي لن يضعف ، تهمس لي الألوان بتواطؤ ! سينفلت لفكرة النجاة والضوء البرتقالي يقترب ؟ هل أنجو ؟ طوبى لمن علمني السباحة ، الطفلة التي كنتها ، يلونها البحر برعشات السمك وحوريات الأعماق ،، طوبى لمن علمني السباحة . عينا الطفل المهاجر مثلي، تتراقصان في تجاعيد الموج ، جائع كان ، أم ضللته قذيفة حاقدة ؟ هو الآن يجمع بقايا لحنه القديم ، ليغرد في فج عميق ،،عميق ،، عميق … على شفاهي لغة تصارع ! وفرشاتي تنغمس بلغة أخرى ؟ لم أصرخ كغيري ( أغيثوني ) لأنني تعثرت بين أفعال الماضي وحروف العلة ! ما الذي يلضم العقد بيننا ؟ غير الأفكار والهواجس ! تجر عربتنا إلى المقاصد. ألتقط أنفاسي المسمومة ، برائحة لا تناسب البحر ! وتطفو ذكرياتي على صفحة الماء. ( من نافذة حذرة مفتوحة على مقبرة لم تعرف بعد حدودها ، أطل ! كان يحمل أملاً لم ينطفئ في زيتون عينيه ، كان يقطف تفاحة العمر ، حين أطل ! كان يحرث جثث القتلى وينقب في رؤوسهم عن دهشة الموت ، حين أطل! كان يرجم شيطان قاتله حين أطل ! كان يمشط فوضى خطواته حين أطل ليفتح القناص عينا جديدة في رأسه المشغول على مهل بعناية الرب ، عينا جديدة فارت بموجة حمراء ، وصرخة أضاعت طريقها إلى الألم !) اليابسة تهزأ من غثياننا وتبتعد أكثر موشحة بالسواد ، والقاع فم مفتوح وتابوت يحصي المكاسب ، طامع بالمزيد ! رائحة البحر الجديدة تثقل شهيقي ، هل هي الأجساد التي تفسخت قبلنا ؟ هل هو القيء الحامض في أحشائنا الملتوية ؟ هل هي رائحة احتراق ذاكرة هربت من قبضة ريح ؟ نور زائف يتأرجح على صدر البحر، وذاكرة مجنونة تنفلت من رأسي تصارعني كي لا أستسلم لمكائد الموج. (قهوتي الباردة ، يغزوها العفن ! قالوا لي مضت ثلاثة أيام ، وأنا أتأمل جثته المحنطة بموجته الحمراء ! قالوا لي بأنني قبّلت’ العين الثالثة وقطفت عنها ريحانها الأحمر بشمع أصابعي ! قالوا لي بأنني غنيت ثلاثة أيام ، أحتضن جسده المنطفئ ! وأطحن النجوم المنهمرة من السماء لأحشوها في عينه الثالثة كي تضيء نيئة في نهار يتلوه بكاء ! قالوا لي فنجان دمعك الصامت انسكب غماما ، قرب نافذة ، حيث أطل . ) هل أغادر ؟ أتذكر المذاق الأول لفكرة الرحيل، ( الحلم تبعثر كثرثرة ، في قبو البيت ! وأوروبا بوجهها الباسم تبشرني بعالم جديد ، سيصطخب في أوردة ألواني وفرشاتي . بغيابه غربت شمسي ، على نافذة شهدت آخر طلة ، وآخر رجفة ، وآخر فنجان من القهوة ، بقى ساهراً في صمت قرب شفاه مضت قبل ان تغرق في ضفاف الهيل !) يسُيجني البحر ، بأنفاسهم عبرت صدفة على موجي ، بصرخات تعلو كجدار ، ثم تهوي ، بقلوب أدماها الحنين ، لغرفة هربت من الحكايا وغرقت بالياسمين . مياه مالحة توارى فيها آخرون من قبلي ، تدخل أنفي وفمي ، ولا احتمال للنجاة ،ما لم تفتح أرواحنا ، بوابة هشمتها الطرقات ؟ أرى طائر كبير بعين واحدة ، يقترب بضوء برتقالي ، له هدير ليس كالحمام ؟ أصغي إليه وتئن فرشاتي ، تطوف بيني وبينه كي يراني ! يخونني صوتي ، والموج يشد وثاقي ، أيتها النفس لا تنطفئي،،،،، بما تبقى من رمق في فرشاتي الصاحية ، أرسم الضفة المنتظرة ، وصخور الشاطئ . البحر يزبد بأكفان جديدة ، يلهو بأوجاعنا ، برقصة التانغو الأخيرة وبأحلامنا تكسرت كجناح ، في خفة التحليق وهوت ! الطائر الكبير يقترب ، هديره يجلل أصوات العويل والصراخ التي يلفظها البحر بسأم ؟ يرمي من جوفه حبال السرة ! أو حبال الخلاص ؟ الضوء البرتقالي ، يسقط على وجه البحر ، كغطاء ليصمت نعيق الغربان وسؤال الموت المنحدر على حافة الهاوية . أخرج من سرابي، ألامس جرحي المعتق في ضلوعي ، تتفجر في الألوان ، تطلقني مخيلتي الى السفر حذرة أتعلق بحبال النجاة ، أتفلت من نبتة غادرة تشدني الى الأعماق ، يناديني صوت بلغة غريبة ، يمد لي يدا بيضاء ، أصهل بشوق للكلام ساعدوني ، ارتلها بكل اللغات ، أرفع إشارات في الهواء , أجمع أحرفاً التصقت في جوفي ، ساعدوني رغبتي تهيم قليلا في السماء، ثم تهبط مثل صراخ في إناء فارغ . تعلمت السباحة ترفاً في شواطئ بلادي ، لتمنحني الآن فرصة كي أتسلق جدران أفكاري وأتحدى موتي البارد . فرشاة ألواني لازالت تعمل وتحلم ، أغمسها في أفعال المستقبل والضمائر المتصلة ، أغطي بها وجه البحر المجعد !أرسم بها نافذة ، أطل منها وجه حبيبي ، يوما قبل ان يسقط في غرقه الأحمر . أياد كثيرة تراءت لي تصعد بأمنيات مبتورة ، ثم تتلاشى في الخزف الأزرق .طوق النجاة يتلقفني ، ألونه بالبرتقالي ، لون الحياة الجديدة ؟ بلمحة قلق أودع الموج ، أحاول أن أستعيد رجاء صوتي لأبحث عن رفيقي الطفل المهاجر مثلي ، ربما تحول إلى زنبقة سوداء في مقبرة المتوسط ؟ أكمل لوحتي متوجسة من القادم ! أرسم جثثا مزهرة ، وأشلاء تنبت في موعد جديد ، أدفن حزني عليهم ، في لون برتقالي , وأوقظهم في عناوين جديدة ، بفرشاة ما جفت الوانها ، أزين براءة إيحاءاتهم في ذاكرتي ، أزيف الحقائق المرة ، بزورق كبير يحتمي باليابسة ، أجعله برتقالياً يتسع لخيباتنا وأحلامنا وبراءة فهمنا وإخلاصنا للذكريات. زورق النجاة ، يسحب الألوان التي لطختها فرشاة ذاكرتي على وجه البحر ، وتتوهج رغبتي غواية فاجرة بأن لا أتوقف عن الرسم.
- أمير منطقة حائل يستقبل وزير السياحة
- إدارة تعليم المذنب تحتفي باليوم العالمي للطفل
- حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر
- تنفيذ حكم القتل تعزيراً بعدد من الجناة لارتكابهم جرائم إرهابية
- النيابة العامة تعلن عن تدشين “غرفة الاستنطاق المخصصة للأطفال”
- «الحياة الفطرية» تطلق 26 كائناً مهدداً بالانقراض في متنزه السودة
- تستمرّ للثلاثاء المقبل معلنة دخولَ الشتاء.. جولة مطرية جديدة يصحبها انخفاض بدرجات الحرارة بمعظم المناطق
- لاستبدال 250,000 مكيف.. “موان” يعلن إطلاق ثالث مراحل مبادرة “استبدال”
- «الجنائية الدولية» تصدر مذكرتي اعتقال لنتنياهو وغالانت
- “حساب المواطن” يعلن صدور نتائج الأهلية للدورة 85 لشهر ديسمبر القادم
- من مخاطر داخل المنزل تهددهم.. “المدني” يؤكد أهمية المحافظة على سلامة الأطفال
- “الهيئة العامة”: كود الطرق وضع معايير وشروط لتصميم وتركيب مطبات السرعة
- بوضعية خارج الرحم.. “سعود الطبية” تنقذ جنينًا بحالة حمل نادرة في الأسبوع الـ26
- «الطيران المدني» يُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر أكتوبر الماضي
- الزكاة والضريبة والجمارك تدعو وسطاء الشحن إلى الاستفادة من الخدمات الجمركية المقدمة في المنافذ البحرية
المقالات > على تجاعيد الموج “صوتها “ قصة
على تجاعيد الموج “صوتها “ قصة
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3255787/