أحبُّ البردَ فإنَّ في البردِ شئ منَ الفرحِ فإنْ أحببتَ فيهِ فلا نارٌ ستدفيكَ فإنْ أشعلتَ فيهِ نارًا فإنَّ نارَ الحبِّ أحرقتْ كلَّ نارٍ ، وأحْمَتْ كلَّ قلبٍ فبربِّكَ هلْ تحرقُ النارُ النارَ !، وإنْ كتبتُ لكَ في ليلةِ شتاءٍ فيها رعدٌ وبرقٌ وعاصفةٌ تمحو كلَّ ما كتبتُ وتطفئُ كلَّ شمعَةٍ أوقدتُّ وتدعني بلا كلمةٍ ولا نورٍ فإنكَ حينها نوري وشمعتي وكلماتي ، ولا تسألْ ما هوَ الشتاءُ وأنا أحبكَ فهو ريحٌ ومطرٌ وحروفٌ تناثرَتْ فلا تحبَّ في الشتاءِ وكمْ ليلةٍ في الشتاءِ أنت أحطتني بذراعيكَ وأنتَ ترغبُ في أنْ تدفئني فلا تدفئني ، فإنَّ ليالي الشتاءِ بها فتنةٌ منَ الحبِّ وفيها أصفى كلماتٍ تقالُ، وإنْ كتبتَ فيها
فإنكَ تكتبُ فيها ودق وبرقٌ وإنْ حلمتَ فيها تحلمُ بالحنان والشوق لمنْ تحبُّ ، وفي كلِّ ليلةٍ تقفُ وتقولُ كمْ هي حلوةٌ ليالي الشتاءِ وأنتَ بينَ البردِ والمطر تكلمني وأسمعُكَ وتناجيني فأصغي إليكَ وتداري عني ريحًا أتتْ بلا موعدٍ ، ورأيتُكَ تدفعُ النارَ براحتكَ وتدنيها مني وأنا بينَ أنفاسِكَ تكادُ الدنيا تسألني ماذا تريدين فأجيبُ إني أحبُّ فلا توقظوني منْ حلمٍ أحبُّهُ ، سيدي كرهتُ البردَ بعدَ غيابكَ وكَتْمِكَ ذلكَ في قلبي فأستحي أن أقولَ ذلك وأنتَ في كل تلكَ الليالي فكمْ أحببْتُكَ وكمِ انتظرتُكَ في ليلٍ مُدْلَهمٍّ فكم ليلةٍ حسبتُ فيها إنكَ تأتي ولا تأتي فأكتمُ وأبردُ فلا تكادُ تأتي ليلةٌ أخرى
حتى أرقبَ طلعتَكَ وأحبُّ ردتكَ ، وكلما أنّتَ الريحُ بأرجاء المكان أكادُ أموتُ خوفاً من أنْ لا تأتي وأحسُّ بالوقتِ يسري بلا عودةٍ وأنتَ تسألني متى أحببتني ؟
فأقولُ شتاءً وتسألني :
هلْ أحببتِ قبلي ؟
فأقولُ : لا ، فتزرعُ الغرفَةَ مشياً وأنتَ تحلفُ بأنكَ لمْ تحبَّ غيري وترجو أن أصدقَكَ فأصدقُكَ فأنا أحببتُكَ بليلة فيها مطرٌ وبرقٌ واحتلَّ البرقُ كلَّ أنحاءَ الغرفةِ فبدوتَ لي كأنكَ من نور وسألتُكَ هلْ تحبُّ أنْ تنشرَ نورَكَ بداري وأنا أحسُّ بأنكَ تدنو مني والمطرُ يبلِّلُ أثوابي فأنتشي ، وأكادُ أركضُ
إليكَ فتلقاني بدفئكَ وتقربني منكَ وأكادُ أكذِّبُ نفسي فأسألكَ هلْ تحبُّني مرةً أخرى ، فتجيبني لا تسألي فأنا أحبكِ وأحبُّ فيكِ شتاءً أحببته ، فأنَكِّسُ رأسي وأحلفُ بذلكَ وإنْ تكلمتَ فلا أرى عينيك فإنهما أقْتَلُ منْ بردِ الشتاء ومِنْ هبَّةِ الريحِ على الأرجاءِ فيهما كلُّ حرامٍ وحلالٍ ، فيهما كلُّ جمالٍ وابتهالٍ فهمَا عينانِ أحَبَّتْا في الشتاءِ .