اتذكر أنني قرأت لأول مرة كتاب "الشيطان يحكم" للراحل الدكتور مصطفى محمود، وكان ذلك قبل عشر سنوات تقريباً. ولا أخفي القارئ أنني لم أفهم كثيراً من محتويات الكتاب في ذلك الوقت. فقد قرأته على عجلة من أمري وكنت لا أبالي أساساً بالقراءة خارج اختصاصي ولم يكن لهذا الأمر حيزاً في حياتي. ولكني عُدت لأقرأ ذلك الكتاب واستوقفني أحد فصوله تحت عنوان "أنت امبراطور".
حاول الدكتور مصطفى محمود من خلال هذا الفصل وصف "الطمع" اللامحدود للإنسان من حيث سعيه الدؤوب خارج ما تملك يده. ومن جهة أخرى، أظهر أن أبسط إنسان يعيش في الوقت الحاضر، يعد أكثر رفاهية وبذخاً من ملوك وقياصرة العهد القديم.
تقول بعض سطور ذلك الفصل: إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان، وأنت عندك عربية خاصة وتستطيع أن تركب قطاراً وتحجز مقعداً في طائرة. وامبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع وقناديل الزيت، وأنت تضيء بيتك بالكهرباء. وقارون أغنى أغنياء العالم يقول لنا التاريخ أن ثروته لم تكن تزيد على مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية، وأنت تستطيع أن تكسب هذا المبلغ في أقل من شهر. ويردف قائلاً: كل هؤلاء الأباطرة جرابيع بالنسبة لك، ولكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جداً، ولهذا فنحن تعساء جداً برغم النعم التي نمرح فيها.
ربما كان "الطمع" من الصفات المتأصلة في الإنسان والتي لا يملك فكاكاً منها. فنحن من النادر جداً أن نقف عند حد في مسائل الكفاية. فما نطمح إليه يمسي أمراً غير مرغوباً بمجرد امتلاكنا إياه. والمنزلة التي نعتقد أنها آخر محطات رؤيتنا، نشعر بالملل بعد وقت قصير من معايشتها، وكذلك قِس على باقي الأمور المعنوية والمادية. فما دام أنها "مفقودة" وخارج أيدينا فنحن لا نفتر نبحث عنها، وحين نمتلكها نشعر بالملل والحاجة إلى استبدالها فوراً.
فمن يملك الصاع ينظر لمن يملك صاعين، ومن يملك القصر ينظر لمن يملك القصور، ومن يعيش في رفاهية ينظر لمن يعيش في بذخ وهكذا دواليك. إنها مسألة من الصعب السيطرة عليها أو إقصاءها من بشريتنا، فالإنسان "طماع" بطبعه ولا يملك عن ذلك محيصا.
المؤسف في الأمر أن الناس لا ينظرون لما في أيديهم، فهم دوماً يتنازعون ويتطاحنون لنيل ما هو خارج أيديهم. ولذلك يكبر "الطمع" ويتحول إلى "حسد" ويأكل الناس بعضهم بعضاً.
الكاتب/ أحمد الفقيه
الحساب/ alfaqeh_ahmed@