يمكن إعتبار أن المجتمع السعودي الحاضر تجاوز عصر الحداثة وربما وصل إلى ما بعدها. ومع هذا لا نستطيع إنكار أن هناك قيم إجتماعية بائدة ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ولم تعد تناسب العصر الذي نعيشه. وكثير من تلك القيم كانت جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع القديم والتي كانت السمات التي تميزه عن المجتمعات الأخرى. أما الآن فهي بالأحرى إن بقيت، فسوف تقسم المجتمع إلى قسمين، أحدهما متكيف مع ثقافة العصر الجديد والآخر متوقف يعايش القيم القديمة ويتغنى بها.
لا تزال ثقافة البذخ والترف منتشرة في أجزاء كبيرة من مجتمعنا، وهي ثقافة قديمة كانت الميزة التي تفصل بين الطبقة المترفة والطبقة المعوزة. ونحن اليوم قد بلغنا من التقدم الحضاري والتكنولوجي والإقتصادي مبلغاً لا يستهان به، ومع هذا يريد بعض المترفين أن يعودوا بنا إلى الوراء عن طريق التظاهر بالترف والتباهي به.
يخيل لبعض المترفين أن التظاهر بالنعم والأموال إنما هو حقٌ مُطلق ليس لأحد منازعتهم فيه. ولعلهم يستندون إلى الحديث الشريف "إن الله يريد أن يرى أثر نِعمته على عبده". ولكنهم يخطئون في تفسيره من هذا الوجه عندما يغفلون عن الأثر الذي يثيره الوجه الآخر للتفسير. والنبي إنما بُعث رحمةً للعالمين. ولعل هؤلاء المترفين يغفلون جانب الرحمة ويتشبثون بجانب التظاهر.
لم تبقى في هذا العصر ظاهرةً إجتماعية غير مكشوفة. فالفقير يتساوى مع الغني في رؤيته لما يجري في المجتمع. ولم يعد هناك فقير أو مسكين لا يحمل بين يديه هاتف يسمح له برؤية كل ما يحدث، إلا من شذ وندر. وغني عن القول أن الجميع الآن يشاهد كل ما تتناقله وسائل التواصل الحديثة. فالغني المترف يخيل إليه أن كل من يتابعه ويشاهد يومياته المترفه مثله يحيط به النعيم من كل جانب. نسي هذا المترف أن هناك من يتألم من رؤية ما يتظاهر به. وصاحب الفاقة لا يجد إلا أن يندب حظه وحظ الدنيا بأكملها. وربما دفعه ذلك لسلوكيات غير محمودة. صحيح أنه من حق صاحب النعمة أن يظهر نعمته، فهذا من باب شكرها، لكن عليه دائماً أن يراعي مشاعر الآخرين من حوله. فهو لا يعلم أي الأعمال أقرب لقلوب الناس وأيها شراً عليهم.