من بين طيّات كتاب أستوقدتُ ضياء لهذا المقال، وأكملتُ مسودة كُتبت ثم حُفظت ولم تقبل النشر آنذاك، ربما لأنني كُنت في تلك اللحظة مُستاءة من أمر ما، فخشيت من تشويه حياة قلمي بخطأ ما.
فما قصدتُه في هذا المقال هو الإنجراف الحاصل للمظاهر في هذا الزمان، وكثرة القشور بلا لباب، وطغيان الشكليات وانفتاح الشهية لمزيد من المظاهر بلا جواهر، وممارسة أشياء لا معنى لها ولا عَودُ نافع، ولُهاث أخرس وعمل أخرق لمسميات ومناصب.
وفي معركتي القلمية هذه لا أُنكر أن السعي والأرتقاء والتوق لما هو أعلى طبيعة إنسانية لا غضاضة فيها ما لم تُجاوز حدها، وما لم تُناقض جوهرها، ولكن ما أبغضه وأرفضه وأبتغي توضيحه بين السطور هو أن يُخطئ الإنسان فيصبح أسيرًا لهذه الشكليات، أو يتزيّف ما ليس له به علم ولا فهم وهو فيه شتات، أو يناقض جوهره الداخلي السمت الخارجي له، أو يكن صورة صامتة صماء لمسمى أو منصب فاز به ولاذ، أو يتفاخر بهذه الشكليات ظانًا أنه للجوهر صانع وصائغ، أو يؤلب ويأتمر ويهجو ويقدح للحصول على شكل ما.
أنّ ما يحدث الآن من نوائب لأشخاص في عوارض هذا الزمان ما هو إلا فجوة عميقة، لا أسباب لها إلا خلخلة نوعية من فراغ وجهل وضعف وهدر وعطش لا إرتواء منه، فما كان هذا سببه فإن الفوز فيه مُختل وناقص وهباء، فالكلمة والحكمة ورسالة العقل إلى العقول هنا هي أن الشكليات أيًّا كانت صورتها لا تصنع الجوهر وليس في وسعها أن تكن معيار للحكم على الشخص، فما يصنع الشخص ويحدد قيمته هو جوهره وأفكاره ومبادئه وقيمه وأدبه وثقافته وقس على هذا ما شئت، فكن جوهر ومعنى لا قشرُ ومظهر.