لا يزال السجال مستمراً حول جدلية العلاقة بين التنمية الشاملة للمجتمعات وبين التنمية الثقافية للفرد، نظراً لكون الثقافة العنصر اللازم لتقدم وازدهار المجتمعات. وقبل الحديث عن تلك العلاقة بين التنمية والثقافة، فلا بد من تعريف مقتضب لمفردة الثقافة التي لها تعريفات شتى، إلا أن أفضل تعريف أُعطي لها ما جاء في إعلان المكسيك إبان انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة عام 1982م، والذي عرّف الثقافة بأنها " هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي. وعن طريق الثقافة نهتدي إلى القيم ونمارس الاختيار، وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته والبحث من دون ملل عن مدلولات جديدة وحالات إبداع".
وبهذا المفهوم فإن التنمية الثقافية للعنصر البشري الذي يعد رأس مال نجاح الخطط التنموية، هي صمام الأمان وضمانة لنجاح عمليات التنمية الشاملة والعبور من حالة التخلف واللاوعي إلى الانتماء لروح العصر بكل ما تحمله من قيم شتى. وقد شبه أحد المختصين عملية التنمية الشاملة بأنها عبارة عن مثلث متساوي الأضلاع، يعبر كل ضلع منه عن أبعاده الثلاثة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولسنا هنا بصدد "مفهوم الثقافة من أجل الثقافة" باعتبار ذلك ترفاً فكرياً يكون خصماً على عملية تنمية وبناء الدول، ولكننا نصوب عنايتنا صوب الأهداف التنمية الكبيرة للتنمية الثقافية والبشرية للمجتمع وكيفية رعايتها وإرساء دعائمها في المجتمع المدني العصري، وتكريسها لخدمة الخطط والمشاريع التنموية الطموحة للدول، إن كثيراً من خطط ومشاريع التنمية في بعض دول العالم قد باءت بالفشل و لم يُكتب لها النجاح، نظراً لأنها لم تستصحب في ثناياها التنمية الثقافية والبشرية للفرد باعتباره حجر الزواية والضمانة الأكيدة لنجاح تلك الخطط التنموية ، وبهذا فإن تنمية العنصر البشري سابقة للتنمية المادية، وشرط أساسي لنجاح كافة مشاريع التنمية الوطنية، إذ لا بد من أن يتقمص الفرد أهداف الخطط التنموية ويتفاعل معها حتى تعطي ثمارها على أرض الواقع.
إن هنالك الكثيرين الذين يستصحبون التنمية الثقافية للفرد في إطار الوعاء الواسع للتنمية البشرية الشاملة التي تعنى ببناء وتطوير قدرات الفرد وإمكانياته بشكل دائم، بحيث يجعله ذلك جديراً بالقيام بنشاطاته على اعتبار أن الفرد هو الوسيلة والغاية في عملية التنمية الوطنية. وهنالك شروط للتنمية البشرية أهمها الشروط الإدارية المتعلقة بالمهارات الإدارية والفنية، والشروط التقنية الخاصة باستخدام منجزات العصر وتقنياته كالحاسوب والإنترنت وشبكات التواصل المختلفة بكل ما تضيفه تلك الوسائط من معرفة وخبرات لإثراء اقتصاد المعرفة ، وهنالك الشروط السكانية التي تتمحور حول الاستخدام الناجع للموارد البشرية، بجانب الشروط الاجتماعية التي تُعلي من تعزيز ثقافة العمل والإنجاز البشري، فضلاً عن شروط أخرى تقوم على تعزيز الحوار وتحقيق قدر من التواصل الإيجابي بين شرائح المجتمع، لا سيما الشباب.
وقد وضعت الأمم المتحدة في هذا السياق مؤشراً لقياس المستوى الذي حققته الشعوب من التنمية البشرية، حيث يعتمد هذا المؤشر على قياس متوسط العمر المتوقع به للمواطن، ومستوى التعليم في المجتمع مقارنة بمستوى الأمية، بجانب تحديد المؤشر للمستوى المعيشي للأفراد داخل مجتمعاتهم. وتهدف التنمية البشرية للمجتمعات إلى تهيئة الفرد ليكون عنصراً فاعلاً في الحياة الاجتماعية وعملية التنمية الوطنية، وذلك من خلال القيام بهيكلة شاملة داخل المجتمعات، تبدأ بالتركيز على دور الشباب وإطلاق إبداعاتهم ودعمها من خلال التركيز على حق التعليم للجميع باعتباره حقاً إنسانياً للكافة في الحياة مع إتاحة الفرصة لكل فرد في تنمية طاقاته من خلال مؤسسات التعليم والثقافة، ووضع استراتيجية تدريبية خاصة بالشباب عبر إقامة ورش عمل متكاملة ومستمرة، وتدريب أولئك الشباب على عملية الحوار والشفافية والتعرف على مشكلات المجتمع، وإتاحة الفرص المتساوية وإعلاء سيادة معيار الكفاءة أولاً، مع استصحاب كافة فروع المعرفة الإنسانيةوخبراتها، ووضع استراتيجية ثقافية واضحة ترسخ الأسس العلمية للعمل بروح الانتماء وفق الفريق الواحد.
إن رؤية المملكة 2030 قد استصحبت في مضامينها العميقة آليات مثلى بهدف النهوض بتنمية المجتمع ثقافياً وبشرياً، والاستثمار في مواطنيه بهدف إعدادهم ليكونوا في قلب المشاركة الفاعلة بمساهماتهم لتصبح خطط ومشاريع الرؤية العملاقة واقعاً في حياة المواطن، بل ونقلة اقتصادية واجتماعية كبيرة وزاخرة للوطن برمته.
د. جواهر بنت عبد العزيز النهاري
باحثة سعودية
التعليقات 2
2 pings
زائر
27/06/2018 في 11:33 ص[3] رابط التعليق
التعليق
(0)
(0)
محمد. المحضار
27/06/2018 في 12:37 م[3] رابط التعليق
إن. تقدم. مملكتنا الحبيبه. في التنميه والاطور دليل يدل على تقدمنا. على الشعوب المجاوره فكريا وعمليا وإقتصاديا وهذا التقدم لايكون إلا من خلال التكاتف والتالف وبناء البنيه التحتيه وإيجاد فرص العمل لجميع القطاعات الخاصه والعامه حتى يكون هناك تكافل لجميع الأطراف وكلما تقدمنا كلما أنتجنا والله ولي الهدايه والتوفيق
(0)
(0)