من مظاهر رحمة النبي صلى الله وسلَّم بأمته.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد و آله وصحبه وسلم ، أما بعد.
فقد كان نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل البشر إيمانًا بالله وأعظمهم رحمةً وشفقةً بخلقه، قال الله تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءُوف رحيم}، [التوبة: 128], ومن رحمة الله تعالى بعباده أن أرسل لهم نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم فجاء بشريعة كاملة ميسرة، وحباه الصفات الحميدة والأخلاق العظيمة لتتحقق هذه الرحمة التي أرادها الله لعباده بالدين الكامل ، وبالنبي ذي الأخلاق العظيمة فقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [الأنبياء: 107]، وقد تجلَّت هذه الرحمة في هديه صلى الله عليه وسلم ووصاياه المحفوظة في دواوين السنة المشرَّفة, وكان منها:
أولًا: حثُّه صلى الله عليه وسلم أن يرحم المؤمن أخاه المؤمن.
قال صلى الله عليه وسلم: ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) رواه البخاري برقم 6011.
وهكذا تكون علاقة المؤمنين بعضهم مع بعض كمثل اليد والعين، إذا بكت العين مسحت اليد دمعتها، وإذا تألمت اليد بكت العين لأجلها، وهذه العلاقة جالبة للسعادة في معاملة الخلق بأن تعاملهم لله -عزَّ وجل- فترجو الله فيهم، ولا ترجوهم في الله -عزَّ وجل- وتخافه فيهم، ولا تخافهم في الله -عزَّ وجل-، وتحُسن إليهم رجاء ثواب الله -عزَّ وجل- لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم خوفًا من الله -عزَّ وجل- لا منهم.
ثانيًا: رحمته صلى الله عليه وسلم بزوجاته.
فقد طيَّب خاطر عائشة -رضي الله عنها- حين قالت بعد انقضاء الحج: (تعودون بحجٍّ وعمرةٍ وأعود بحج!)، تقول رضي الله عنها: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع فمنَّا من أهلَّ بعمرة، ومنَّا من أهلَّ بحج فقدمنا مكة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى يحل بنحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه))، قالت: فحضت فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة ولم أهل إلا بعمرة فأمرني النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بحج وأترك العمرة ففعلت ذلك حتى قضيت حجي فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر وأمرني أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم)، رواه البخاري برقم 319.
ووضع صلى الله عليه وسلَّم ركبته لزوجه صفية -رضي الله عنها- لتضع رجلها عليها فتركب البعير، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم-خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذُكر له جمَال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قُتل زوجها وكانت عروسًا فاصطفاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سد الرَّوحاء حلَّت فبنى بها ثم صنع حيسًا في نطع صغير ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((آذن من حولك)) فكانت تلك وليمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب. رواه البخاري برقم 2235.
وحث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الرفق بالنساء وحُسن معاشرتهن، فقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) رواه الترمذي برقم 3895 ، وصححه الألباني برقم 285 في السلسة الصحيحة.
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) رواه مسلم برقم1467.
والمرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا تركها حفظته في نفسها وماله، وهذه أوصاف غاية في الكمال، فإن لم تتيسر كلها يكفي بعضها ، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ((لايفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر)) رواه مسلم برقم 1469.
ثالثًا: رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال.
فكان يلاعبهم ويقبِّلهم، وهو القائل صلوات ربي وسلامه عليه: ((من لا يرحم لا يُرحم)) رواه البخاري برقم 5997.
وعندما قدم ناس من الأعراب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسألوه (أتُقبِّلون صبيانكم؟) فقال: ((نعم))، قالوا: لكنا والله ما نقبِّل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أو أملك أن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة)) رواه مسلم برقم 2317.
رابعًا: رحمته صلى الله عليه وسلم بالشباب وعطفه عليهم.
عن مالك بن الحويرث –رضي الله عنه- قال: أتينا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شَبَبَةٌ متقاربون فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحيمًا رفيقًا، فلما ظنَّ أنّا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا -وفي رواية: فلما رأى شوقنا إلى أهالينا- سألنا عمَّن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ((ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلّموهم، ومروهم، ... وصلُّوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدُكم وليؤمُّكم أكبَرُكُم))، رواه البخاري رقم 631.
وهذا هدي نبوي عظيم فيجب على المؤمن أن يستشعر بمن حوله، خاصةً إذا كان الإنسان بعيدًا عن أهله.
خامسًا: شفقته صلى الله عليه وسلم بالمرضى والمصابين.
فكان صلى الله عليه وسلم يزورهم ويتفقدهم، ويحزن لحالهم، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم- فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله- أي من جاءه لخدمته ونحوها من أهله- فقال: ((قد قضى)) قالوا: لا يا رسول الله فبكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى القوم بكاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بكوا، فقال: ((ألا تسمعون إن الله لا يعذِّب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم وإن الميت يعذب ببكاء أهله)). رواه البخاري برقم 1304.
وهذه الرحمة أثرٌ من أثر علم النبي –صلى الله عليه وسلَّم- باسم الله الرحمن، والرحيم وتعلقه بصفة الرحمة, قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه الترمذي برقم 1942، فمن تعلَّق بصفات الله -عزَّ وجل- وسار إليه بأسمائه الحسنى وصل إليه وأحبَّه، ومن أحبَّه أحب أسماءه وصفاته .
ومن اهتدى بهدي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، سعُد في الدنيا والآخرة فسعادته معلقة بهديه -صلى الله عليه وسلم-، فعليه أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه ، والناس في هذا بين مستقلٍّ ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
اللهم إنا نسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلمّ بها شعثنا، وترد بها ألفتنا، وتصلح بها ديننا، وتحفظ بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكِّي بها عملنا، وتبيّض بها وجوهنا، وتلهمنا بها رشدنا، وتعصمنا بها من كل سوء.
وكتبه:
د. عبد الهادي بن عوض بن معوض العمري.
دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة
وعضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب.
- “الأرصاد”: مؤشرات أولية بـ”صيف ساخن”.. والمناطق الشرقية الأكثر حرارة
- الاتفاق يفرض التعادل على الهلال ويقدم هدية للاتحاد للابتعاد بالصدارة
- المملكة تدين أوامر إغلاق أصدرتها “إسرائيل” بحق 6 مدارس تابعة لـ”الأونروا” في القدس الشرقية
- فرق “الهلال الأحمر” تنقذ حالتي توقف قلب وجلطة دماغية بالحرم المكي
- مكافحة المخدرات تطيح بمروّجي “إمفيتامين” في الشرقية
- «المرور»: احرص على استخدام «الفليشر» عند ظهور أي مفاجآت على الطريق
- “الأمن البيئي” يحذر من الصيد في أماكن محظور الصيد فيها ويكشف الغرامات
- الغبار خطر صامت يهدد صحتك.. “الصحة” تحذر من أضراره التنفسية وتدعو للوقاية
- طواقم أجنبية تقود مباريات الجمعة من الجولة 27 للدوري روشن
- واتساب يطلق ميزات جديدة لتحسين الدردشات والمكالمات والقنوات
- وزير الخارجية يشارك في الاجتماع التنسيقي في تركيا بشأن تطورات الأوضاع في غزة
- “قيلولة القهوة”.. سر الطاقة الذي لا يعرفه الكثيرون!
- الشيخ المهنا من منبر المسجد النبوي: الثبات على الحق نجاة في زمن التقلبات
- قبل دخولها المملكة.. “جمارك جدة” تحبط تهريب 46.8 كجم كوكايين مخبأة في إرسالية دجاج مجمد
- المعيقلي في خطبة الحرم: الإسلام دين الرفق والتيسير.. ومن يسّر على الناس يسّر الله عليه
المقالات > “نبي الهُدى والرحمة” بقلم د. عبدالهادي بن عوض العمري
“نبي الهُدى والرحمة” بقلم د. عبدالهادي بن عوض العمري
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3231107/
التعليقات 3
3 pings
وردة الحازمي
08/06/2018 في 1:27 ص[3] رابط التعليق
مقال مميز وثري شكرا لك دكتور نفع الله بك وبعلمك
حاخا
08/06/2018 في 4:39 ص[3] رابط التعليق
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
زائر
20/07/2018 في 12:25 ص[3] رابط التعليق
التعليق