كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها وكان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره،وفعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه ومبادرته الأوقات واغتنام الأزمنة الفاضلة فينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو القدوة الحسنة والجد بالاجتهاد في عبادة الله وطاعته وأن لا نضيع ساعات أيام وليالي العشر،فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات،فالموت حقيقة الكل مدركها حين انتهاء الأجل بعدها لا ينفع الندم.
ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزايها أن فيها ليلة القدر والتي يفرق فيها كل أمر حكيم حين وصفها الله بأنها مباركة حيث نزل فيها القرءان وفيها تقدر مقادير الخلائق على مدى العام فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة،ومعنى القدر من التعظيم أي من أحياها يصير ذا قدر وقيل القدر التضييق لكثرة الملائكة،ومن خصائصها أيضا أنها خير من ألف شهر ووصفها سبحانه بأنها سلام أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى وتكثر فيها السلامة من العذاب والعقاب.
وقد أنزل الله في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة حيث شرفها ورفع قدرها جل شأنه،كما خصت بالاعتكاف فيها بزيادة الفضل على غيرها من أيام السنة،والحكمة من إخفائها الاجتهاد في العبادة وهي في أوتار العشر آكد ،فينبغي لنا أيها الأحبة أن نجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلبا لليلة القدر اقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،وأن نجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا .
كما أحب التنويه بأن الجماع ومقدماته محرم على المعتكف،ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة.
وفقني الله وإياكم لما فيه خير الدارين وسبل الرشاد ورزقني الله وإياكم الأجر والمثوبة،والله اسأل أن لا يحرمنا وإياكم أجر صيامها وقيامها،ودمتم كل عام بخير ومحبة وأمن واطمئنان وراحة بال.