تناولت في مقالتي السابقة ملامح اقتصاد المعرفة، الذي أطل بقوة على حياة المجتمعات البشرية، بل أضحى واقعاً ملموساً في حياة تلك المجتمعات، حيث يحقق هذا الاقتصاد الاستخدام الأمثل لعنصر المعرفة واستثمارها بفعالية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعيات لسائر تلك المجتمعات البشرية. وفي هذا الإطار تقفز عملية توليد تلك المعرفة اللازمة والمطلوبة لضخ روافد حيوية في شرايين اقتصاد المعرفة برمته، حيث تعد عملية توليد المعرفة رأس الرمح في النسق المتكامل لعمليات إدارة المعرفة، إذ تنطوي تلك العملية على ابتكار واكتساب وشراء المعرفة مع القدرة اللازمة على الإدراك والاستيعاب لتلك المعرفة الظاهرة، بجانب الحصول على المعرفة الكامنة في أذهان وعقول المبدعين.
وفي هذا الجانب فإن تلك الخطوات الهادفة إلى استنباط وتوليد تلك المعرفة المنشودة، لا تعني اكتساب معرفة جديدة فحسب، بقدر ما تعني استهداف الإبداع وتطوير الأفكار والحلول باعتبارها قيماً مضافة، مع أهمية التركيز على المزج بين المعرفة الصريحة الظاهرة وتلك المعرفة الضمنية الكامنة بغية استباط معانِ ومعارف جديدة من واقع المزج بين تلك المعرفتين.
ووصولاً إلى تفعيل عملية توليد المعرفة ووضعها رهن استخدام الجميع للاستفادة من مردودها وجوانبها الإيجابية العديدة وتطويعها لخدمة المجتمعات، فهناك عدة خطوات مهمة في هذا السياق ينبغي القيام بها، فلابد من تبني المنظمات الرسمية والأهلية لأنظمة المكافآت باعتبارها حافزاً ودافعاً للموظف صوب تحويل معرفته الضمنية المحبوسة داخل العقل البشري إلى معرفة صريحة ومعلنة للكافة، كما أن أولئك الموظفين والعاملين يتكئون على معارف شتى وعديدة في تخصصاصاتهم ومعارفهم، وحري بهم أن يطلقوا هذه المعارف ويجعلوها رهن إشارة المجتمع، من خلال اشتراكهم في ورش العمل والندوات واللقاءات والمسابقات الكفيلة بانتشال أولئك الموظفين من قيود العمل الروتيني بأفقه الضيق إلى رحاب ودنيا الإبداع والفكر والابتكار المنشود.
كما أن هنالك ضرورة ملحة لتشجيع عملية إثراء التنوع الفكري في أوساط منظمات المجتمع المدني المختلفة جنباً إلى جانب مع الجهات والدوائر الرسمية بغية الإفصاح عن هذا التنوع الفكري وإعلانه للجميع. كما ينبغي في هذا الجانب الاهتمام بتشجيع المؤسسات الأكاديمية المعنية بالبحث العلمي باعتبارها مراكز رئسية للنشاط العلمي على ثقافة نشر تلك الأبحاث والدراسات ووضعها في خدمة الجميع، والنأي عن سياسة المبالغة في التعتيم والحرص على حفظها في أضابير وأدراج بعيدة عن استفادة المجتمع، بجانب أن تضع تلك المؤسسات البحثية على سلم أولوياتها تدريب طلابها وتأهيلهم على أنجع طرق البحث العلمي على نحو يجعلهم قادرين على إضافة معارف وأبحاث جديدة من جانبهم.
وفوق ذلك كله، فلا بد من وضع حلول جذرية لكافة المعوقات التي تحد من انطلاقة عملية البحث العلمي والقيام بدوره على أكمل وجه، لا سيما المعوقات المتصلة بعملية التمويل في هذا الجانب، حيث حري بالجهات المعنية بهذا الجانب البحث وتوفير مصادر تمويلية من الجهات الإنتاجية وعلى رأسها القطاع الخاص بمواقفه الوطنية المعهودة والمشهودة دوماً، للاضطلاع بدوره وتأسيس مراكز بحثية ترعى وتُعني بالبحث والباحثين والدارسين، وتوفر لهم كافة الاحتياجات المطلوبة، وعبر هذه الخطوة الرائدة يتم تحقيق هدفين، أحدهما الإسهام في القضاء على البطالة وسط شريحة الشباب، والآخر توليد معرفة بشرية جديدة تشكل لبنة متينة لنهضة وطنية شاملة.
ونخلص إلى أن عملية توليد المعرفة تقود بالضرورة إلى عملية توسيعها عبر نوعين من "الديناميكيات" التي تعمل على دفع عملية توسيع المعرفة، وتنطوي العملية الأولى على تحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة ظاهرة، بينما تنطوي العملية الثانية على تحويل المعرفة من المستوى الشخصي إلى المستوى الجماعي، وينجم عن ذلك استنباط معلومات وأفكار جديدة تصب في وعاء اقتصاد المعرفة الذي يتسم بالتوسع المستمر والمتزايد في توظيف العلم والتقنية لخدمة كافة جوانب الاقتصاد وفي الدور الجوهري الذي تقوم به المعرفة في عملية الإنتاج وتداعياتها الكبيرة على الخبرات والقدرة على التعلم والتنظيم والابتكار في إطار المنظومة الاقتصادية الواسعة. ومن خلال اتباع الخطوات المثلى لتوليد واستنباط المعرفة وتسخيرها لخدمة اقتصاد المعرفة وبالتالي رفد الوعاء الاقتصادي الوطني الشامل، فإن ذلك يفضي إلى إحداث حراك ونقلة اقتصادية تسهم بقوة في تحقيق رؤية المملكة 2030 .
د.جواهر بنت عبد العزيز النهاري
باحثة سعودية
باحثة سعودية
التعليقات 2
2 pings
زائر
21/05/2018 في 10:09 ص[3] رابط التعليق
هذا مانحتاجه صدقا دكتورة سلمك الله وسلم فكرك
(0)
(0)
زائر
21/05/2018 في 12:03 م[3] رابط التعليق
توليد المعرفة المقرون بالإبداع والإبتكار مطلب يتطلبه عصرنا الحاضر ، عصر الزهو والتطور والتغيير ..
وفي الإشارة إلى المعارف الضمنية وإمكانية انطلاقتها وتحررها من العقل البشري ، فإضافة الى توضيحك لكيفية اطلاقها للعنان ؛ لابد يكون للفرد في المنظمة اقتناع تام بأن افكاره ممكن ذات يوم لها شأنها ، فرُب فكرة أوابتكار ما غير حال دولة بكاملها إن لم يكن غير حال العالم بأكمله ..
بكل المقاييس كتبتِ فأجدت دكتوره ، فما نضح به فكرك وسطرته أناملك يدل على المخزون المعرفي المتجدد دوماً ..!!
(0)
(0)