صدق أحدهم حينما قال" ليس تحوّل أنصاف المثقّفين وأشباه المتعلّمين إلى (مفكرين) سوى الوجه الآخر لتحوّل الأقزام إلى أزلام!!".
فهل يصحّ أن تكون تلك الكلمات المفتاح الجيد لصوغ هذا المقال؟
بلى؛ فمن المُحال أنْ تحرز المواهب الثقافيّة والفكريّة والعلميّة الصّادقة سهمًا من النّجاح والذّيوع المستحق وبين ظهرانينا الكثير من(أنصاف) المثقّفين، و(أرباع) المفكرين!!
وعلى هذا فلن تخرج الأمّة من تخلفها وجهلها حتّى يستدير عنها بلا رجعة ثلّة من المحسوبين على شؤون الثّقافة والفكر والعلم.
أمّا لماذا؟ فلأنَّهم (يدْحرون) بفعلهم ألوف الأفكار، و(يقتلون) مئات المواهب؛ مخلّفين وراءهم مواهب مبدعة، وعقولاً متميّزة تستحق الإكبار والإجلال، و(يسقطون) -عمداً- إبداعات الوطن ركامًا هائلاً من بساط العلم الفكر والثقافة، و(يخفون) - بجهل- معادن من الذّهب في مناجم مجهولة.
ووطننا -حرسه الله- ليس بدعًا من بين الأوطان. ففيه الكثير من المواهب المبدعة، والعقول المفكّرة، والأيادي المنتجة أخذت حقها العلميّ والثقافيّ والفكريّ بطول المثابرة والعمل الدؤوب؛ ولكنّها – للأسف- لم تأخذ حقها ظهورًا إعلاميًّا يُحتفى به، بعد أن تسلّط على وسائل إعلامنا ثُلّة من (الجهلة) وأنصاف المتعلمين، فتباروا ظهوراً شاخصًا حتّى غدا الواحد منهم ما بين عشيةٍ وضحاها وجهًا إعلاميًا بارزًا!!
وعطفًا على المكتوب قبلاً يحق لي أنْ أسأل: هل نحن نعيش حالةً من (الفزع!) الثقافيّ والفكريّ والعلميّ؟!
الإجابة البيّنة: أن لا أشكّ أبدًا في تبدّي ذلك (الفزع!!) وخوف الغيورين على الوطن هم بالكثرة من أن تحصيها مقالة سيارة، بعد أن تسلّط علينا مجموعة من هؤلاء (الأقزام) متربعين موائدَ الفكر والثقافة والعلم، يبسطون آراءهم تارة بالقول (المسروقّ)، وتارة بالتنظير (المكرور)، وخلفهم طابور طويل من (المطبِّلين)، و(المصفِّقين) فأضحوا ما بين غمضة عين وانتباهتها في عداد المفكرين والباحثين والمثقفين!!
إذن؛ وجب الإقرار بـ(البؤس) الذي يُطال الثقافة، وبالشقاء الذي يُحيط الفكر بعد أن أعتلى المنصات ممّن تلبّس بلبوس الثّقافة، وتدثّر بعباءة الفكر والعلم.
فإنْ أقررنا بذلك فجدير بنا الاعتراف ثانية أنَّ هؤلاء ومن سار على دربهم حالة (مدمّرة)، وإسقاط (مخل)، وقبح (مستهجن)؛ يفسر لنا مدى ما وصلنا إليه من بؤس ثقافيّ، وشقاء فكري، وتسطيح إعلامي!!، ويكشف لنا مدى ما يحمله هؤلاء من غيٍّ يبسط يديه آناء الليل وأطراف النّهار إلى كلّ مناشطنا الفكريّة، والثقافيّة، والعلميّة، وهذا(لعمري) لهوَ البلاء الماحق، والسخط الهالك؛ فما حلَّ بلاء كهذا بأمّة إلاَّ وأسقطها من زمرة التّقدم إلى التخلف، وحاشنا أن نكون كذلك، وفينا المحب لوطنه، والسعيد بمنجزه، والمُسترّ بتقدّمه وازدهاره.
وممّا يزيد الطّين بِلة أنَّهم يقرّون في (داخلهم) بفشلهم الفكريّ، وفقرهم المعرفيّ، إلاَّ أنَّهم (لا) يستحون، و(لا) يخجلون!!
وأنّا لهم أن يستحيوا؛ وقد أوجد لهم الإعلام باحات واسعة ظهوراً وبروزاً؟!
وكيف لهم أن يخجلوا؛ وقد هيّأ لهم أتباعهم عقد النّدوات، وإلقاء المحاضرات، وصناعة التّتويج؟!
وأنّا لهم أن يكفوا عن هذا الغيّ؛ وقد صنع لهم (الفاشلون) أصواتٍ مسموعة يكشفون بهم سوءاتهم فيما يطرحون وما يقولون؟! حتّى تفننوا ظهورًا إعلاميًا شاخصًا يندى له جبين الفكر، ويخجل منها وجه الثقافة!!
وكيف لهم أن يقرّوا بفشلهم؛ والأيام تلد لنا كل ساعة جيشاً من هؤلاءِ حتّى تضخمت ذواتهم فصدّق البعض منهم صوته النّشاز بعد أن طبل له المطبّلون، وزمّر له المزمّرون فغدت الـ(أنا) تنمو وتنمو حتّى أصبحت: (أنا ربكم الأعلى!!).
وقصارى القول وختمه إنَّ النّاس المطّلعون يعرفون هؤلاء (الأقزام) كما تُعرف العملة الزائفة بين أرباب الصناعة والمعرفة، فسيماهم بارز لا تخطيه أعُين الفاحصين، ولا تغرب عن ذوي الألباب والعقول المبْصِرة.
لقد قلت غير مرّة - وأنا محق فيما أقول- إنَّ أيّ مجتمع من المجتمعات لم يبتل (ببلوة) أكثر من(ابتلائه) بمدعي المعرفة والثّقافة والهرطقة على خلق الله، حتّى (استحلى) الواحد منهم يكذب الكذبة في الصباح ويصدقها عند المساء، ثم لا يكاد الصبح يتنفّس حتّى يستعين هؤلاء الأقزام بشياطين الأنس والجن لينثروا علينا كذبة أكبر من سالفتها هي أدهى وأمرّ!!
دكتور / ساري بن محمد الزهراني