إذا لم يسقط النظام بعد أيام من ضرب مقاره الأمنية ومفاصله العسكرية فهذه مشكلة، أما إذا تهاوى بسرعة وتقدم الثوار نحو العاصمة ودخلوا القصر الجمهوري وأعلنوا سقوط نظام بشار الأسد من على عتبات مجلس الشعب السوري فهذه مشكلة أيضاً!
كيف ذلك؟ الحل الأسلم للأزمة السورية كما يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الأممي الأخضر الإبراهيمي هو التفاوض والحل السلمي، أن يتوجه بشار الأسد أو من يمثل نظامه إلى جنيف، وكذلك المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني، ويجلسا على طاولة واحدة، ويتفقا إما على أن ينقل الأول السلطة للثاني أو المشاركة معاً في مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة، فسلام ووئام بين الإخوة، حافزهم في ذلك الحرص على سلامة «الدولة» وتماسكها، فلا تنهار أجهزتها البيروقراطية ولا الأمنية، إنما يعمل الجميع بعد ذلك بإخلاص وتفانٍ لإصلاح حقيقي يرضي كل أبناء الشعب السوري الواحد... ما سبق أمنيات ليس لها موقع في سورية الحقيقية اليوم، لقد انهارت الدولة، وثمة ثورة حقيقية هناك ترفض كامل النظام وكل ما يمت إليه بصلة، ثم متى اختار العربي حلاً معتدلاً لأزماته خارج قاعدة «كل شيء أو لا شيء»؟
الجميع يتحدثون عن ضربة «محدودة في الزمان والمكان»، كما يستخدم السياسي الأميركي عبارة «معاقبة» الذي ارتكب جريمة استخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً وليس «إسقاطه»، وثمة فارق بين المعاقبة والإسقاط، ولكن هذا هو الموقف الأميركي والغربي، والذي لا يلزم الثوار في سورية، الذين يريدون إسقاط النظام بالكامل وبناء سورية جديدة تماماً، هؤلاء سيستغلون الضربات العسكرية على مفاصل النظام الأمنية للتقدم نحو كل ثكنة ومطار وموقع يستطيعون السيطرة عليه، وليس لأحد أن يلومهم في ذلك، بل بالتأكيد هناك من سيدعمهم، ودربهم على ذلك، فالوحدات السورية التي تم تدريبها وتجهيزها في الأردن وتركيا من قبل الجيش الأميركي وحلفائه مناطة بها هذه المهمة، وهي وحدات منضوية تحت مظلة «الجيش الحر» الذي يرأسه اللواء سليم إدريس، وتتبع سياسياً للائتلاف الوطني السوري الذي يرأسه أحمد الجربا، اللذان يتمتعان بثقة قوى إقليمية ودولية.
ومثلها شتى التشكيلات العسكرية للثوار تحت مختلف المسميات، مثل لواء الإسلام، صقور الشام، كتائب التوحيد، كلها نظرياً تشكل «الجيش السوري الحر»، ولكنها في الحقيقة مستقلة بقيادات وتوجهات وتمويل وعلاقات إقليمية مختلفة، ويجمعها الآن هدف إسقاط النظام، بل إن بعضهم يتعاون حتى مع «جبهة النصرة» تحت هذا الشعار، وستعمد هذه الفصائل بحماسة شديدة للاستفادة من الضربات الصاروخية وتبعاتها التي ستؤدي بالتأكيد إلى حالة إرباك شديد في صف وحدات النظام العسكرية، بل يجب توقع حالات فرار وانشقاق في الجيش السوري، وبالتالي لا يستبعد انهيار كامل للنظام، الذي لا بد من أن يكون هو الآخر منهكاً بعد عامين ونصف العام من الحرب (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ).
لذلك فمن الضروري الاستعداد إقليمياً لليوم التالي بعد سقوط النظام كاملاً أو انحساره إلى مناطقه العلوية «الخطة ب» كما سمّاها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وأحسب أن هذا كان بعضاً مما ناقشه رؤساء أركان جيوش الدول المعنية بالأزمة السورية في العاصمة الأردنية الأسبوع الماضي، فإذا كان تأمين الأسلحة الكيماوية ومستودعاتها هاجساً مشتركاً بين الغرب والدول الإقليمية، فإن ضمان انبثاق سورية آمنة وموحدة من بين الرماد والحروب هو ما يجب أن يكون هاجس دول المنطقة، خصوصاً السعودية والأردن وتركيا.
الذي سيعلن سقوط دمشق ثائر شاب لا نعرفه، يستحوذ على كاميرات الصحافة والتلفزيون هو وزملاؤه ريثما تصل قيادات المعارضة. من هناك سيعلن الائتلاف الوطني عن بدء المرحلة الانتقالية، ويحدد أهدافها وربما زمانها. سيوجه السيد الجربا نداء لموظفي الدولة بالبقاء في أعمالهم وخدمة وطنهم، وربما حتى للشرطة بحفظ الأمن، ولكن هل يستطيع الائتلاف الوطني السوري وهو كيان «ائتلافي» كما هو واضح في اسمه إعمال سيطرته على كل سورية بكل ما ترك بشار فيها من تناقضات، وما خلقته الحرب من أحزاب وكتائب وعداوات وثارات؟ حتى لو تغلبت كل الفصائل والقادة المحليين على طموحاتهم ومكاسبهم وقبلوا بمظلة الائتلاف، ماذا عن «جبهة النصرة»؟ بل ماذا عن الكارثة الأكبر «دولة العراق والشام الإسلامية»؟
يبدو أنه لا مناط من قوة سلام عربية - تركية، تشكّل في إطار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، تكون وظيفتها حماية عملية الولادة الصعبة لسورية الجديدة الديموقراطية التي تحميها من نفسها وتحمي المنطقة من انهيارها. إنه شرق أوسط جديد إن لم يصنعه الحكماء سيصنع نفسه بنفسه، وها هو الفصل الثاني من الملحمة السورية على وشك انفراج ستارته عن تفاصيل لن تقل إثارة وربما ألماً عن فترة العامين ونصف العام الماضية.
[COLOR=#FF004D]الكاتب : جمال خاشقجي [/COLOR]