في خِضمِّ الحياة التي نحياها؛
هُناكَ الوزيرُ والأمير, هُناكَ القاضي, هُناكَ شيخ الدين, هُناكَ الطبيب وتلكَ الطبيبة, هناكَ الكاتب وتلكَ الكاتبة, هُناكَ المعلم وتلكَ المعلمة, وهناكَ ربةِ المنزل أيضاً.
لِما لا ؟
لِما لا نكُن مُمتنين لعملنا بحجمِ الأرض وما حوت من بشر, بحجمِ السماء وما حوت من نجومٍ وسُحب, وبحجمِ المسافة بين تلكَ السماء وهذه الأرض !
عرضتُ سؤالاً بسيطاً على عدةِ شخصيات بمهنٍ مختلفة؛
فحوى السؤال:
اذكر لي إيجابياتِ مهنتك ؟
أخبرني أُريد لاذناي أن تُطرب بامتنانك لمهنتك ؟
سأبتدُأ بوالدتي حفظها الله ورعاها وأبقاها لنا ما دُمنا نتجرعُ الأنفاس؛
والدتي كانت مديرة لشؤون الموظفين في جمعيةِ تحفيظ القرآن الكريم في المدينةِ المنورة؛ قالت لي:
مُمتنة بشكلٍ بالغ لتلكَ المهنة الشريفة الطاهرة التي جمعت لي بين الأجر البالغ في الدنيا والآخرة, وبين عطاءُ تلك المهنة لي؛
إنها أعطتني الشجاعة وعدمِ الخجل في التحاورِ والنقاشات, تطورت شخصيتي حينها كثيراً.
أهدتني الصبر وعدم مقاطعة من يقصدونني في حل مشكلةٍ, أو استشارة؛ فبابُ مكتبي مفتوح للجميعِ دون استثناء, إنها أكرمتني بالتعاملِ مع مختلفِ الجنسيات غير السعودية؛
فتعاملتُ مع جنسياتٍ عربية, وجنسياتٍ أوروبية (لغيرِ الناطقين بالعربية).
هو مجالٌ راقي كانوا يجمعون بين الصدقِ والبساطة, تعاملتُ مع مختلفِ الطبقات العُليا, والدُنيا؛
فتعلمتُ من هذه, ومن تلك في الجهةِ المقابلة !
ابنتي الصغيرة:
أنا مُمتنة لمهنتي السابقة حد السماءِ السابعة !
كما عرضتهُ على والدي حفظه الله وأبقاه لنا, الذي كان تاجراً للديكورات؛ فقال لي:
تعلمتُ من هذه المهنة القيمة الفنية لأذواقِ الناس المختلفة, تعلمتُ منها طريقة استخدام الألوان في مذاقِ ورغبات كُل شخص يدخل مكتبي, بالإضافة إلى أنها أكسبتني تعارف مع العديد من الشخصياتِ المختلفة؛
فأنا صدقاً مُمتن لها حتى النُخاع.
عرضتُ سؤالي على طبيبٍ فاضل؛ فقال لي:
أولاً: أشعر بسعادةٍ بالغة حينما أكون سبباً في إزالةِ ألم أو معاناة مريض ..
ثانياً: جسم الانسان هو من تمامِ صُنع الله؛
فالطبيب يتعرف عن قرب بقدرةِ الله وإعجازه في خلقِ خلقه؛
وبذلك يزيدُ إيماناً عظيماً لله جلَّ في عُلاه.
قال تعالى:
<إنَّما يخشى الله من عبادهِ العُلماء>.
ثالثاً: قيمة العلم التي تُميزك, وتجعلك ملاذاً للمرضى أنفسهم.
وذكر لي أيضاً نقطة في غايةِ الأهمية: أن الطب ومن خلالِ تجربته الشخصية يختلف عن أي مهنة؛
لأنه لا يكفي به الاجتهادات بجانبِ العلم الذي يُقدمه لمريضه؛ بل يجب عليه استشعار أن الشافي هو الله, وما هو إلا سبب فقط.
عرضتُ في الجهةِ المقابلة سؤالي على معلمةٍ قديرة للدراسات الاسلامية؛ فقالت لي: يكفي شرفاً بمهنةِ المعلم أن الله وملائكته وحتى الحيتان ليُصلون على معلمِ الناس الخير, حينما تكونين سبباً في هدايةِ شخص بكلمةٍ بسيطة, أو أثر حَسن تنسين ما مررتي به من مشقة, وفي المقابل؛
فالمسئولية كبيرة جداً لأن جميع من حولك يعتبرونك قدوة؛ فالتحسب للكلام, والمظهر, والمعاملة مهم جداً؛
حتى لا نكون ممن يقولون ما لا يفعلون !
عرضته أيضاً على إعلاميّ فاضل؛ فقال لي:
هي مصدرُ التفاؤل, وهي مصدرُ الثقة بعد توفيقِ الله, هي برنامجي اليومي الذي يُنظم حياتي, هي أيقونة وانعكاس المردود على حياتي الشخصية والأسرية؛
فمتى ما أصبحت وظيفتك ومنصبك في نظرك هي أشبهُ بالهواية؛ فإنها ستظلُ بنظرك إبداع واحترافية عالية, أحياناً قد تُواجهك بعض من التحديات, أو جزء من المُنغصات يجب أن لا تلتفت لها, وتدعها فقط خلفك وتمضي للأمام, تحتاج أن تفصل بين حياتك الشخصية والمهنية كما تحتاج لتهيئة نفسية؛ وذلك بأن تبدأ عملك في أولِ ساعتين بعيداً عن الضغوطات, أو التوترات, أو حتى الاحتكاكات" !
وعرضته نهايةً على معلمةِ أطفال من ذوي الاعاقة السمعية؛ فقالت لي:
مهنتي عشق كبير ومتجدد لهذا المجال, وأحمد الله أنه اصطفاني لأن أكون ضمن العاملين والباحثين بها, تتعلمين كثيراً وكل سنة تختلف عن السنةِ الماضية؛
فيكفي شعورك بالمسؤولية تجاه الآخرين, وشعورك في الجهةِ المقابلة أنها أمانة عظيمة.
هم علموني كيف لي أن أأدب ذاتي, وكيف لي أن أتحمل كل الضغوطات !
لا أخفيكم حديثاً استمتعت استمتاع بالغ بحديثهم, ذاكَ الاستمتاع الذي قد يصل لأبعدِ حد.
استمتعتُ بحبهم وامتنانهم, سعيدة أنا بما يحملوه في قلوبهم من إيجابيةٍ بالغة !
يا سادة:
كونوا عُظماء في عينِ أنفسكم, قبل أن تكونوا في عينِ غيركم؛
وذلك بامتنانكم لمهنكم بحجمِ ما حوت الأرض من بشر !