يقول الوزير, الدكتور, المفكر, والأديب السعودي غازي القصيبي _ رحمه الله في إحدى مذكراته:
زارني أحدِ رجال الأعمال البارزين, المشهورين, وأصحاب الأموال الطائلة في مكتبي.
طلب مني تحديد موعد للعشاء أو الغداء؛ حتى أُلبي الدعوة.
ويقول غازي القصيبي _ رحمه الله:
كنتُ وما زلت أكره هذه المجاملات الفارغة !
فقال غازي القصيبي لهذا الرجل:
أنتَ كنتَ تعرفني منذُ أن كنت أستاذاً في الجامعة, لماذا لم تُفكر بدعوتي إلاَّ عندما أصبحتُ وزيراً ؟!
فردَّ التاجر وقال له:
هذه دعوة ليست لك, إنها للكرسيّ الذي تتكِئُ عليه !
فقال غازي القصيبي له:
تقديراً لصراحتك؛ سوف أقبل هذهِ الدعوة !
فقال التاجر بفرحٍ غامر, متى ؟
فقال غازي القصيبي, وهو يُشير إلى الكرسي:
ضيفُ الشرف أمامك, متى أحببتُ أن تُطعم هذا الكرسيّ؛ فافعل !
أما أنا: فليس لديَّ وقت !
الجاهُ للكرسيّ !
الحياة تُثبت لنا ببعضِ أشخاصها أنَّ قيمتُكَ برتبتك, وأهمية مكانتك؛
لتجعلنا نقول وبصوتٍ عالٍ:
الجاهُ للكرسيّ !
القصص المؤرخة بالمذكرات, أو بالمواقف المُثبتة عياناً لنا, تكُن في طياتها الكثير من جملة:
الجاهُ للكرسيّ !
الدنيا تأخُذك تارةً هُنا وتارةً هُناك, تجعلك هذه السنة في أغلى المناصب وأعلاها, وربما السنةِ المقبلة تكُن في حضيضها, الآن تكُن شخصاً استثنائياً, وبعدِ حِقبة من الزمن تكُن اعتياديّاً, وربما لا يكترثُ بك أحد؛
لتجعلنا نقِر أنَّ:
الجاهُ للكرسيّ !
لا تُصبكَ الدهشة في الوقتِ الذي تعيشه وترى فيه أن الكل حولك, الكل يُقدم لك السمع والطاعة, والجميع يتمنون اشارة من أحد اصبعيك ليقولوا لك:-
(سم طال عمرك, وأبشر على هالخشم), وبعد وقت وليكُن قصيراً تلتفت خلفك, ولن تجد فرداً, أو حتى صوتاً؛
فوصيتي لك:-
توقع هذا اليوم, الذي سيجعلُكَ تؤمن وبيقين تام أنَّ:-
الجاهُ للكرسيّ !
انظر حولك بصفاءِ بصر, وقوةِ قلب واعلم أنَّ:-
الجاهُ له, والذهابُ لك !
لنكررها دوماً ونحنُ بكامل نُضجنا العقلي والعاطفي:-
الجاهُ للكرسيّ !
فلا تغتر أيُّها الوزير, يا ذاكَ المدير, وأنتَ يا رئيساً للتحرير, لا تغفلوا, ولا تغفوا عن جملة:-
الجاهُ للكرسيّ؛ حتى لا تتعجبوا في نهايةِ المطاف !
هذه قصة بسيطة خُلدت في الأذهان, وحُفرت في القلوب للوزير غازي القصيبي _ رحمه الله؛
لتجعلنا نعي ماهي الحياة, وكيف تسير, ووفق أية نظام !
يا سادة:-
المناصب أخَّاذة, والرُتب خلاَّبة؛
ولكن بعد حين:-
الجاهُ للكرسيّ, وأنتَ مُجرد طارئ له !