عندما يتعرض المدنيون في الغوطة الشرقية للقصف الجوي من طائرات النظام السوري (بالتعاون والتنسيق مع روسيا وإيران)، وتلقي بكل أنواع القذائف الصاروخية المدمرة بالرغم من خلو المدينة من دفاعات المعارضة السورية وبالرغم من نداءات الهدنة والإغاثة وصرخات المصابين تحت الأنقاض، فان هذه الحرب تصنف حينئذ بأنها حرب قذره طالما انتهكت هذه الأطراف قوانين الحرب وحقوق الانسان ولم تبد أي التزام أخلاقي تجاه المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن والطواقم الطبية في المستشفيات والمصلين في المساجد. فالواضح أن النظام وروسيا يريدان استنساخ تجربة حلب وحمص في الغوطة الشرقية وتكرار "سيناريو جروزني" لإحداث تغيير ديموغرافي يتطلب تهجير14 مليون مسلم سني من ديارهم في سوريا.
وحينما يستمر هذا القصف الهمجي والوحشي بصواريخ روسية ارتجاجية لديها قدرة تدميرية هائلة للملاجئ والتحصينات الاسمنتية القوية، فإنما تريد هذه القوى الغاشمة الانتقام من الثوار والتأثير على معنوياتهم القتالية بذبح أطفالهم ونسائهم في الغوطة لأجل تكثيف الضغط النفسي على معنويات مقاتلي الجيش الحر لإجبارهم على الانسحاب والعودة الى الغوطة لمشاهدة آثار الدمار لمنازلهم واشلاء الضحايا لأقاربهم من ناحية، وبالتالي اخلاء ساحة المعركة لصالح قوات حماية الشعب ومنع انضمامهم لعملية "غصن الزيتون" في ريف عفرين من ناحية أخرى.
فالجيش الحر الذي كان متمترسا على تخوم الغوطة الشرقية للدفاع عنها كان قد ارتكب خطأ عسكريا فادحا بتركه لمواقعه وانتقاله شمالا ليلتحق بقوات تركيا في ريف عفرين للبحث عن غنائم الحرب في المواجهات الدائرة بين قوات تركيا وقوات حماية الشعب الكردية هناك. وبالرغم أنه تمركز وسيطر على بعض القرى في محيط عفرين لمنع النظام السوري من دخولها والاستيلاء عليها بالتعاون مع قوات حماية الشعب الكردية فيها، الا أن الجيش الحر أخطا بترك مواقعه في الغوطة الشرقية دون تأمين الخطوط الخلفية له، ما أعطى العدو فرصة لاستغلال الموقف وقصف الغوطة وتدميرها بمن فيها دونما مقاومة. وأرى أن انسحاب الجيش الحر من الغوطة على هذا النحو يشبه الى حد كبير اندفاع عناصر من جيش المسلمين في غزوة أحد لكسب غنائم العدو الذي استغل ترك الرماة لموقعهم الاستراتيجي في قمة جبل أحد. عند ذلك أصبحت ظهور المسلمين مكشوفة للعدو الذي باغتهم فيما بعد بالالتفاف حول الجبل ما أدى الى تطويق المسلمين من الأمام والخلف رغم انتصارهم في المعركة.
وعموما أقول أن الحرب على الغوطة تعتبر حربا قذرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى كون العدو الجبان يتفادى مواجهة المقاتلين على أرض المعركة ويحاصر معقلهم ويقتل عائلاتهم بدم بارد في منازلهم ودور عبادتهم. فالطيران السوري وحليفه الروسي ومستشاريه الإيرانيون يدركون أن الغوطة الشرقية تحديدا ستحدث تغييرا في مؤشرات حسم المعركة لصالحهم وتربك خطوط الجيش الحر في ريف عفرين مما يسمح باختراقه ودخول عفرين والسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية بالكامل. وبذلك يتمكن النظام السوري وحلفاؤه من تحقيق اهداف المعركة المتمثلة في انتفاء مبرر عملية " غصن الزيتون" التي يشنها الجيش التركي في إطار حملة عسكرية لمنع الأكراد من إقامة دولة انفصالية على الحدود التركية مع سوريا حيث تبدي تركيا مخاوف أمنية من أن وجود قوات حماية الشعب في منطقة عفرين المتاخمة للحدود التركية، انما تشكل وفق زعمهم تهديدا لأمنها القومي إذا ما تسللت الفصائل الكردية المسلحة ودخلت تركيا عبر حدودها الجنوبية. فالهدف التركي المعلن للعملية هو منع قيام كيان كردي إرهابيّ بالقرب من حدودها. لذلك يعتقدون إن سيطرة "غصن الزيتون" على عفرين، سيقطع أوصال التواصل بين الميليشيات الكردية الانفصالية، وسيدمره في حال تحقق هدف تركيا الثاني بالسيطرة على "منبج".
كما أن فرض السيطرة على عفرين يحقق لقوات النظام السوري من جهة أخرى هدفا اقتصاديا مشتركا مع الكرد باعتبار أن المنطقة تدرّ إيرادات جمركية كبيرة من خلال حركة التجارة التي تمرّ عبرها من وإلى الداخل السوري، خاصة تجارة النفط، وهو ما دفع الجيش الحر للمغامرة بترك الغوطة والانتقال الى عفرين التي يدرك ان سقوطها من يد ميليشيا "PYD" سيتسبب في قطع وريد اقتصاديّ مهم لهم. وتحتل "عفرين" أهمية استراتيجية كبرى في المشروع الكردي؛ نظرًا لأنها تشكِّل الجسر الجغرافيّ لوصل هذا المشروع -الدولة الكردية الانفصالية- بالبحر الأبيض المتوسط إذا أتاحت الظروف ذلك، بحسب المخططات الكردية المعلنة في تصريحات مسؤوليهم.
وفي ظل الصراع على منطقة عفرين لفرض السيطرة عليها يتحالف الجيش الحر مع تركيا لطرد قوات حماية الشعب المدعومة والموعودة من أمريكا "بأرض الميعاد الكردية" مقابل استخدامهم مستقبلا كورقة ضغط سياسية على تركيا، وتتحالف روسيا مع قوات النظام السوري مقابل الهيمنة مستقبلا على تجارة النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط. والحقيقة أن كل هذه التحالفات ودخول دائرة الصراع من قبل دول أخرى انما يحدث لتحقيق اطماع سياسية واقتصادية حتى لو كان الثمن محرقة جماعية للمدنيين الأبرياء في الغوطة وغير الغوطة. وللأسف أن كل هذه الانتهاكات وجرائم الحرب تتم على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي يكتفي بإصدار بيانات التنديد والاستنكار والدعوة لضبط النفس ووقف إطلاق النار. فهل المجتمع الدولي عاجز عن انقاذ المدنيين ومحاسبة المجرمين المعتدين، أم أنه يغض الطرف عن الأسد السوري والدب الروسي؟