تعرف السماء لغة في قواميس العرب بانها من السمو فكل ما سما عن الارض من فضاء ارحب فهو سماء، وسماء كل شيء أعلاه، و السماوة من كل بيت سقفه، و من كل شخص طلعته، ولا مفهوم للسبعة في اللغة العربية الا للدلالة على كثرة الحجب العلوية، فمنها حجب الفهم التي يسمو في تجاوزها كل دارس علم، و بقدر اجتهاده في فك طلاسمها، يكون عروجه في سموات العلم.
كذلك الأمر في دراسة أي ظاهرة سواء كانت مادية أو معنوية، فلا بد عند ارادة الاحاطة بها ، لا بد مِن ليس منه بُد ان يحدد الباحث موقعه منها لتحديد نقطة انطلاق مسيرته البحثية في دركات باطنها و في درجات سمواتها، و نفس الامر حصل للعلماء عند محاولاتهم المتعددة، لفهم كروية الارض، فمن جاليليو و الى اليوم، لا زال العلم يكد و يجتهد في فك طلاسم دركات باطن الارض من جهة، و سماوات الفضاء الكوني من جهة أخرى.
إن الاستجابة الالهية لدعاء العبد تخضع لنفس القاعدة، بمعنى ان صعود السؤال من باطن قلب العبد، و الى ان يتحقق في الفعل، يمر من طبقات فهوم ارضية و الى سموات إدراك علوية، فانطلاقا من النية التي تصدر من اعماق باطن الانسان بان يصبح طبيبا مثلا، فان الرغبة ينبغي ان يتبعها اختراق لحجب متعدد منها حجاب التواكل، بالابتداء في اخذ الطريق المرادة كالتركيز مثلا على الشعب العلمية مع الاهتمام باللغات الاجنبية و غيرها من المواد التكميلية.
ينبغي بطبيعة الحال اختراق سماء الوقت بالصبر و التصابر فرغم وصول العبد الى سماء الاجابة الاولى و هي ابتداء الطريق بالفعل و من ثم ارتقاؤه في مراحل التحقيق، لا زال يحتاج صبرا و تصبرا عبر براق الفهم ليرتقي في سموات المعاني، فينتظر تحقق مقامات الاجابة درجة فدرجة، و سماء فوق سماء الى ان يتحقق مراده الأسمى، و لا يكون تحقيق مراده ذاك إلا ابتداء لمعراج آخر هو خدمة المجتمع لان الانتقال من تحقيق مراد الفرد الى تحقيق مراد أمة هو معراج في حد ذاته يحتاج هو ايضا الى اختراق لسحب الوهم و ترقٍ في سموات الفهم حتى تكون الخطوات في محالها و النقاط على حروفها.
لا شك ان التأمل في سموات الاستجابة يعلمنا منهاج حياة يسيرة في عسرها، فان هذا الامر لعظيم لمن غفل عن مفاتيحه و هو يسير لمن يسره الله له و قيض له معرفة مفاتيحه، فلا بد للعلم من مدخل و لا بد للمدخل من مفتاح و لكن لماذا العلم؟ لانه مدخل للحياة اليسيرة، فلمْ يتيسر للإنسان التحكم في الطبيعة إلا بمفتاح العلم، و لم يتيسر له الدخول الى باب العلم الا بمفتاح الإرادة و لم يتيسر له الدخول الى باب الارادة الا بمفتاح الموافقة بمعنى موافقة ارادته بإرادة خالقه و هو المعنى الحقيقي لكلمة إسلام و هي اسلام داردة العبد للإرادة الالهية. آنذاك فقط فتحت حجب الفهم لعلماء الاسلام في شتى العلوم فاخرجوا منه ما كان باطنا الى عالم الشهادة، فأخذ عنهم المشعل في عالم الشهادة كل من شحذ نفسه بزمام الهمة و ركب براق الفهم و تزود ببنزين المحبة لما يريد حتى تحصل له الاستجابة لما يروم.
د محمد غاني
كاتب المغرب
Med.ghani@yahoo.de